الآية الكريمة تقول «وأما بنعمة ربك فحدث».
لكن مقطع الفيديو الذي تابعناه وانتشر على وسائل التواصل الاجتماعي قبل أيام يشير إلى تطبيق معاكس للآية الكريمة ولكلام المولى عز وجل، إذ ما شهدناه استهانة بنعمة الله.
الفيديو يصور عملية مصادرة لبضائع معروضة في الشارع لباعة جوالين، وهي -أي عملية المصادرة- عملية سليمة باعتبارها تطبيقاً للقانون، لكن الطريقة التي تمت بها تسببت بهيجان الشعب البحريني الذي تابع مقطع الفيديو، إذ نهاية البضائع كانت بطريقة لا يتفق معها أي إنسان عاقل.
البضائع كانت عبارة عن فواكه وخضروات، وبين الفيديو كيف قام العمال بحملها وكبها في «مكبس للنفايات».
حتى من لم يشاهد الفيديو أجزم بأن قراءته للحادثة مكتوبة كخبر سيدفعه ذلك لإبداء الاستياء، إذ يا جماعة «هذه نعمة الله.. فخافوا الله».
أكرر، لا نحتج على تطبيق الإجراء الإداري، لكننا نشجب ونستنكر عملية إعدام فواكه وخضروات صالحة للاستخدام بهذه الطريقة.
في الوقت الذي يعاني فيه الفقير، وتعاني فيه دول من مجاعات ونقص في الأغذية، يحصل في البحرين أن يتم إتلاف أغذية صالحة! والله عيب كبير.
كان يمكن مصادرة هذه الأغذية بسبب مخالفة القانون، ولأنها بضائع مصادرة يمكن للجهة الرسمية المعنية التصرف بها باعتبارها أصبحت من مضبوطات الدولة، ولأنها مواد صالحة وليست ضارة للاستخدام، فكان يمكن أن يتم توجيهها إما لوزارة التنمية لتزود بها العوائل المحتاجة أو للصناديق الخيرية بحيث توجهها لمساعدة الأسر المعوزة.
والله كان يمكن ذلك، لكن ما تم أمر «يرفع الضغط» كما نقول، وكان لابد من إجراء رسمي حازم وصارم.
وهنا نقول بأن الحمد لله، فصاحب السمو الملكي الأمير خليفة بن سلمان آل خليفة رئيس الوزراء الموقر يثبت مرة أخرى من جملة مرات عدة، حينما تصله مثل هذه الأمور فيتعامل معها بحزم وصرامة، والأهم أن توجيهاته وقراراته تصب في نفس الاتجاه الذي يطالب به الناس، وهو ما يؤكد على كلامنا الدائم الذي نقول فيه بأن صاحب السمو قريب جداً من الناس، يتابع أمورهم ويستمع لهم، ويتحرك بناء على عملية إحقاق الحق وتحقيق العدالة.
الحادثة انتشرت في وسائل التواصل الاجتماعي، وهذا ما يعني بأن عملية المتابعة لسمو رئيس الوزراء تعدت مراحل المتابعة التقليدية بالأخص ما تنشره الصحافة، بل وصلت لمتابعة ما يعبر عنه الناس في حساباتهم وما ينتشر من هموم مجتمعية وقضايا هامة في وسائل التواصل، فله الشكر والتقدير على هذا الاهتمام.
سمو رئيس الوزراء وجه للتحقيق في عملية إتلاف كميات الفواكه والخضروات التي تمت مصادرتها، وقال في تصريحه الكلام الذي ردده الناس ويتفقون فيه مع سموه بأن «هذا التصرف لا ينسجم مع حفظ النعم، التي مَن بها الله سبحانه وتعالى على عباده (…) وهي استهانة غير مقبولة بهذه النعم».
والله آباؤنا كانوا يعنفوننا ويعاتبوننا حينما كنا صغاراً إن استهترنا بالنعمة، كانوا يقولون «عيب ترفس النعمة»، و«غيرك ما عنده ياكل»، وحتى في عزائمنا وولائمنا دائماً نقول للضيف من منطلق الشكر والتقدير «نعم دائمة». ولذلك نقول إن الحادثة التي حصلت لا تمثلنا كبحرينيين، ومن أصدر التوجيهات بإتلاف هذه الكميات من الخضروات والفواكه لابد وأن يحاسب إدارياً، هذا الاستهتار بالنعم لا يجب أن نتفرج عليه ونسكت.
ثم هنا المهم بشأن هذا الإجراء الإداري، فإن كان التصرف من قبل العمال الذي رأيناهم في الفيديو فإنه لابد من تصويب الوضع، لكن الكارثة إن كانت بتوجيه مسؤول، هنا فقط أريد استيعاب مسألة، إذ البضاعة عبارة عن مواد غذائية، بصريح العبارة، عبارة عن فواكة وخضروات وليست مخدرات ليتم إتلافها بهذه الصورة!!
هذه الحادثة التي قد يستهين بها البعض، تمثل نموذجاً إيجابياً لممارسة يجب تعزيزها في عملنا الإداري الحكومي، وأعني بها عملية التعامل مع الأخطاء فور حصولها واتخاذ الإجراءات اللازمة لمحاسبة المقصرين ومنع تكرارها مستقبلاً، والجميل أن سمو رئيس الوزراء هو من بادر لتقديم هذا الدرس الإداري على الفور، ضارباً عصفوراً آخر بحجر، وأعني بذلك متابعة نبض الشارع والوقوف على آراء الناس وانتقاداتهم وتنفيذ مطالباتهم بما يحقق العدالة ويتصدى للخطأ، فشكراً لخليفة بن سلمان.