كان غريباً على مجموعة من الأطفال والشباب البحرينيين الذين دخلوا لأول مرة في مدرسة نظامية خلال العام 1919 أن يحملوا ورقة وقلماً ويكتبوا فيها خلال انتظامهم للدراسة بالمدرسة الأولى في المنطقة بعد أن كان التعليم تقليدياً في كتاتيب ذلك الوقت.
وكان غريباً لمن عاش خلال النصف الأول من القرن العشرين أن يرى أطفال اليوم يحملون قلماً إلكترونياً يكتبون به على أجهزتهم اللوحية الذكية، والخليج العربي يقترب من الاحتفال بمرور قرن على التعليم النظامي بعد ثلاث سنوات من الآن.
هذه الغرابة لم تأت لدخول التعليم أو تطوره من تعليم تقليدي إلى تعليم نظامي، بل هي انعكاس لتأثر مجتمعات الخليج العربي بالعولمة المبكرة والعولمة المتقدمة التي نعاصرها اليوم. عندما تأثرت هذه المجتمعات بالعولمة المبكرة تطور التعليم، على مرحلتين إحداهما نظامية وصارت المرحلة الأخرى رقمية في العولمة المتقدمة. التعليم ساهم كثيراً في إحداث تحولات جوهرية في مجتمعات الخليج، وزاد من قدرة الأفراد على التفاعل الثقافي مع الداخل والخارج. لكن أنماط التعليم التي تطورت سريعاً لم تخلق ثقافة خليجية قادرة على المنافسة، بل كرّس التعليم نمط ثقافة الدولة الريعية، ومازال إلى اليوم في وقت تسعى فيه دول مجلس التعاون إلى تجاوز هذه المرحلة التاريخية المبالغ فيها.
رغم إسهام التعليم في تقبل ثقافات العولمة التي تتضمن في جوانب كثيرة منها قيم الإنتاجية والفاعلية داخل المجتمع، إلا أن أنظمة التعليم الخليجية لم تستفد منها من هذا المنظور تماماً، فهل فتحت المجال للأفراد المزيد من التفاعل الثقافي، وعززت قيم الكسل، وقللت من قيم العمل اليدوي التي كانت سائدة في مجتمعات الخليج لقرون طويلة؟. والسؤال هنا، هل العولمة زادت من كسل الخليجيين؟ وما علاقتها بأنظمة التعليم؟
العولمة بمرحلتيها المبكرة والمتقدمة لم تؤثر على نمط إنتاجية الخليجيين، بل فتحت لهم آفاقاً جديدة للتعلم والابتكار والاستفادة من مجالات عديدة وتطوير الأنظمة والمهارات ووسائل التفكير. ولكن أنظمة التعليم في مجتمعات الخليج هي التي كرّست ثقافة الكسل والاعتماد على السلطة في الحصول على كافة متطلبات الحياة، وهذه الحقيقة مستمرة الآن. لذلك إذا كانت مجتمعات الخليج العربي أو حكوماتها تتطلع لتجاوز هذه الثقافة، فإن الحل ليس في الانغلاق على الداخل، بقدر الحاجة لثورة تعليمية جديدة مشابهة إن لم تكن متقدمة عن تلك التي شهدتها هذه المجتمعات في العقد الثاني من القرن العشرين.