شئنا أم أبينا، جاءت العولمة إلى الخليج العربي منذ فترة طويلة، ولكن هل كانت العولمة منذ بواكيرها الأولى طبيعية أم قسرية؟
ثمة مؤشرات بأنها كانت طبيعية في جوانب معينة، وكانت قسرية في جوانب أخرى، وسبب ذلك ارتباطها بظروف سياسية واجتماعية معينة في كل مرحلة تاريخية.
يمكن الحديث عن قدوم العولمة إلى الخليج وتأثر شعوب المنطقة بها بشكل طبيعي عندما كانت العلاقات مع شبه القارة الهندية عادية، وتقوم على التجارة أساساً، مما زاد من التفاعل الثقافي وبدأت المنطقة تتأثر بالثقافات الهندية في مختلف المجالات، إلى درجة أن الأسر الميسورة مادياً كانت تبتعث أبناءها للدراسة في مدارس ومعاهد الهند، لتعلم العلوم الأساسية التي لم تكن موجودة كثيراً هنا.
بالمقابل، كانت العولمة قسرية عندما جاء الاستعمار الغربي من البرتغال، وفرنسا، وهولندا، وجزئياً إنجلترا. فهذا الاستعمار كانت أهدافه الرئيسة حماية المصالح التجارية الغربية، وإنهاء هيمنة العرب على الطرق التجارية البحرية آنذاك. وهو ما دفع السلطات الاستعمارية إلى محاولة تغيير أنماط ثقافية عديدة في مجتمعات الخليج وصلت إلى محاولات تغيير الدين عبر حملات «التبشير» الفاشلة.
بين هذين النمطين من العولمة المبكرة كان لافتاً أن الخليج لم يتغير ثقافياً بسبب الفرض الثقافي القسري على الشعوب مقارنة بإدخال أنماط ثقافية جديدة وتركها تتطور طبيعياً في هذه المجتمعات. على سبيل المثال، من الاستحالة بمكان أن يتم تقنين حي خاص بالدعارة ـ كما كان موجوداً في البحرين سابقاً ـ دون أن تكون هناك ضغوط من إدارة الاستعمار البريطاني من أجل تنظيم مثل هذه الممارسات التي تعد غير أخلاقية بمختلف المعايير في مجتمعات الخليج. أما لو كانت المسألة قسرية من أجل نشر الدعارة مثلاً لكان التقنين الذي تم ضرباً من ضروب المستحيلات.
عندما جاءت الهيمنة الأمريكية مطلع سبعينات القرن العشرين لم تكن قسرية تماماً، ونتذكر جيداً كيف تأثر الشباب الخليجي بالثقافة الأمريكية بعد العام 1991 عندما شاهد لأول مرة جنود المارينز يتجولون في شوارع بلادهم بتسريحتهم الشهيرة، لتنتشر هذه التسريحة بين الشباب وتصبح ظاهرة سريعاً، مما دفع بعض المؤسسات الدينية الخليجية إلى تحريمها آنذاك.
الدرس الأهم في فهم العولمة المبكرة أن المجتمعات الخليجية لا يمكن أن تفرض عليها أنماط ثقافية جديدة قسراً لأن مصيرها سيكون الفشل، وعندما تترك مثل هذه الأنماط لتدخل إلى المجتمعات بشكل طبيعي فإنها تنتشر، وتتجذر سريعاً، وتصبح جزءاً أصيلاً من ثقافة المجتمع نفسه، بل قد يصعب تغييرها.