حينما كتبت الأسبوع الماضي عن نوعيات بعض الموظفين في القطاعات العامة وتصنيفاتهم المتراوحة ما بين الموظف «العيار» و«الكذاب» و«المنافق»، وما يتقاطع بينهم من مصلحة ومع بعض المسؤولين الذين يحاربون الكفاءات والأذكياء، لم أتوقع بصراحة حجم ردود الفعل التي وصلتني سواء عبر حساباتي في التواصل الاجتماعي، أو من خلال بريدي الإلكتروني أو حتى هاتفي الخاص.
أحياناً تتطرق لقضية تمثل ظاهرة عامة، مدركاً من خلال الشواهد والثوابت على الأرض والأمثلة المتفرقة أنها قضية لها وجود وأبعاد، لكنك تتفاجأ أحياناً من خلال ردود الفعل بأن هناك تفاصيل أكثر، وهناك حالات بأعداد أضخم لما تقول.
هناك من تواصل معي من موظفين في القطاع العام يدللون على وجود تلك النوعيات من الموظفين، بل الأخطر أن هناك مسؤولين بمثل هذه الصفات، يتعاملون مع البشر على أنهم «خدم» لديهم، لا ذمة ولا ضمير ولا حتى رحمة وإنصاف في التعامل.
بل الغريب أن هناك مسؤولين تواصلوا معي يشكون الحال من مسؤولين أعلى رتبة، وكيف أن بعضهم بالفعل حول القطاع لما يشبه بـ «المجلس الخاص»، إذ يتحلق حوله حاشيته وبطانته وأصدقاؤه، ومن خارج هذا النطاق يتعرض لكافة أنواع التنكيل والإبعاد والتهميش وحتى المحاربة.
هناك مؤشرات تكشف لك خطورة القضية التي تتطرق لها، على رأسها مستوى وحجم ردود الأفعال، فإن رأيت تفاعل الناس قوياً، ويمضي بصورة مطردة لا تتوقف، فاعلم بأن حجم الضرر كبير جداً. لذا أفكر هنا بشأن تلك التصرفات الإدارية غير المسؤولة التي تصدر من بعض المسؤولين، خاصة من حول القطاع العام الذي تم إئتمانه عليه من قبل الدولة والحكومة، حوله لـ «عزبة خاصة»، كيف يتم ردع هؤلاء، وكيف تتم محاسبتهم، وكيف يتم إنصاف البشر الذين يتضررون من ممارساتهم؟!
لا تقولوا لنا إننا نبالغ، فالبحرين صغيرة جداً بقطاعاتها وعدد موظفيها، والأخبار تنتشر بسرعات خرافية، خاصة في ظل وجود وسائل التواصل الاجتماعي، بالإضافة لمكسب حرية التعبير عن الرأي.
نعم هناك حالات مؤسفة على استغلال المنصب وظلم البشر، هناك حالات والله لا تفرح قيادتنا ولا حكومتنا على مستوى القيادة من قبل مسؤولين هم أكثر من يضر المشروع الإصلاحي في مضامينه وثوابته، هناك أناس يتضررون بسبب أنهم «ليسوا في مزاج المسؤول»، وهناك أناس يرتفعون ويحظون بكل شيء، فقط لأنهم «في مزاج المسؤول»، وطبعاً مثلنا الشعبي يقول وللأسف «إن حبتك عيني ما ضامك الدهر».
هذا هو المعيار الخاطئ للتعامل مع البشر، معيار الكفاءة والعلم والمؤهلات والقدرات بات يعاني مع أصحابه أمام المحسوبية والشللية والواسطات والتحزبات والتجمعات، وطبعاً أمام قدرة الشخص على «الستر على ما يواجهه» من تجاوزات إدارية وأخرى مالية، فبعض المسؤولين لا يحب من يناصحه ويشير لما هو صواب أو باطل، بل يحب - كما بينا مراراً سابقاً - من ينافقه ويجامله و«يحمل بشته».
أعود للنقطة المهمة بشأن من يحاسب هؤلاء المسؤولين، وفي نفس الوقت من ينصف البشر من أفعالهم وتصرفاتهم؟!
كلامنا نوجهه للحكومة وكلنا ثقة بأن صاحب السمو الملكي الأمير خليفة بن سلمان لا يقبل أبداً بـ «ظلم البشر» ولا يقبل أبداً أن يتحول أي مسؤول منح الثقة إلى «فرعون» يدير المكان على مزاجه وهواه، ويلعب في «كرامة» البشر ومصيرهم، وعليه فإن هناك مسؤولية الرقابة والمتابعة والمحاسبة من قبل مجلس الوزراء، والتي نتطلع لأن نرى آثارها بما يرضي الناس، وبما يحقق العدالة والإنصاف.
شخصياً تواجهت مراراً مع عدة مسؤولين، خاصة حينما يحاولون «التغطرس» في الكلام ويبينون لنا بأنهم هم «أرباب مواقع العمل ويفعلون ما يريدون»، فيكون ردي بأن هذا القطاع «ملك عام للدولة» وليس «ملك فلان أو علان»، وأن من يمنح المسؤولية بثقة من جلالة الملك حفظه الله أو سمو رئيس الوزراء حفظه الله، عليه أن يكون على قدر الثقة، وأن يدرك بأنه «مسؤول» و«محاسب» تجاه إدارته وخدمته للناس.
في مقابل ذلك، لجان التظلمات في القطاعات لابد وأن تفعل، ولابد وأن تفرض عليها رقابة مباشرة من قبل مجلس الوزراء وديوان الخدمة المدنية، إذ بعض اللجان وللأسف لا تحظى بثقة الموظفين والسبب أنها تضم «القاضي والجلاد» معاً في اللجنة، بمعنى أن من يفترض أن تأخذ اللجنة حق الموظف المظلوم منه، هو أصلاً صاحب القرار في اللجنة، وهذا لا يجوز.
والله تصلنا قصص عجيبة غريبة، معها نقول إن سياسة «إن حبتك عيني ما ضامك الدهر» دمرت كثيراً من القطاعات وحطمت كثيراً من الكفاءات وظلمتهم، بالتالي التصحيح واجب وإنصاف الناس أوجب، فالظلم ظلمات يوم القيامة.