آلمني كثيراً ما نشر في جريدة «الأيام» حول تزايد نسبة الاعتداء على أعراض الأطفال، وخصوصاً عندما علمت أن هذا الفعل المقرف يصدر من أقرباء للطفل من الدرجة الأولى، أي من في منزلة عمه وخاله وأصدقاء الأسرة مع الأسف، بعد أن تضاءلت القيم الأخلاقية لدى أمثال هؤلاء المجرمين، أو ربما تعرضوا أنفسهم لهذا الاعتداء على أعراضهم وأخذوا يمارسونه مرضياً بعد أن تشوهت نفوسهم، لكن ذلك لا يعفيهم من أقسى درجات العقوبة التي لم تتحقق حتي اليوم في البحرين، رغم مطالبتي ككاتبة وغيري من الكتاب بتشديدها لتكون لا تقل عن خمسة عشر عاماً، لكي يرتدع أمثالهم عن تحطيم كرامة ونفسية هؤلاء الأطفال الأبرياء منذ بداية حياتهم، ومعاناتهم نفسياً مدى الحياة.
ماذا فعلت وسائل الإعلام بالنسبة لتحذير الأهالي لمراقبة أبنائهم، وعدم تركهم في صحبة أشخاص أكبر منهم حتى لو كانوا أقرباءهم؟
ماذا فعل التلفزيون الوسيلة الفعالة حول تحذير الأطفال بعدم سماحهم لأحد بلمس أعضائهم الحساسة، وكيف يتصرفون في حالة التقرب الزائد لهم من قبل أي شخص يكبرهم سناً، خصوصاً ذلك الاقتراب الذي يصاحبه لمس جميع أعضاء جسد الطفل أو المراهق؟
لماذا لا يقوم هذا الجهاز الإعلامي الهام ببث مقطع يتكرر مرات عديدة يبين مدى أهمية توعية المدرسين بهذه المشكلة لإبلاغ والدي الطفل وعقاب من اعتدى عليه، وأهمية أن يقوم الآباء بتوعية أبنائهم لكي يخبرونهم في حال تعرضهم للتحرش والاعتداء الجنسى وتصديقهم وتوعيتهم بعدم الخوف إذا قام المعتدون بتخويفهم لكي لا يبلغوا عنهم؟
ماذا فعلت الإذاعة حتى اليوم بشأن هذا الموضوع الخطير؟ لا يهم أن تجرى مقابلات، المهم هو توجيه الكلام للأطفال لكي لا يسمحوا لأحد بلمس أعضائهم الخاصة وتوعية الآباء بملاحظة الآثار المترتبة على هذا الاعتداء، التي وصفها الأطباء، وأهمها انزواء الطفل، وعدم القدرة على التحكم في خروجه، والاضطراب في سلوكه، وعدم ثقته في نفسه، وقد تتدهور حالة المعتدى عليه إلى درجة أنه يرفض الزواج مستقبلاً؟
لقد أسعدتني مقابلة الدكتورة شريفة سوار استشارية العلاج النفسي والمتخصصة حول العنف الأسري، في جريدة «الأيام»، عندما ذكرت حقائق مؤلمة حول تزايد الاعتداء على الأطفال، خصوصاً من قبل أقاربهم، كلنا يعلم أن ما يفعله هؤلاء المجرمون سوف يعقد نفسية الأطفال كثيراً، وقد يؤثر على مستقبلهم الدراسي، ويؤدي لانحرافهم ليصبحوا أنفسهم مجرمين في حق أطفال آخرين أبرياء، ليتكرر عذابهم المؤذي لمشاعرهم مدى الحياة، خصوصاً لمن لا يحصل منهم على العلاج النفسي سريعاً بعد الاعتداء عليه جسدياً أو يستمر فترة طويلة في ظل هذا الاغتصاب الذي يغتصب احترام الطفل لنفسه.
بودي أيضاً أن أعرف ما هي جهود وزارة التربية والتعليم في هذا المجال، هل يقوم المدرسون بإلقاء محاضرات على الطلبة الصغار والمراهقين لتحذيرهم من المنحرفين جنسياً من زملائهم، وضرورة تبليغهم عندما يعتدي عليهم أحد جنسياً؟ هل يقومون بتوعية الأطفال بأن عليهم إبلاغ آبائهم فوراً إذا تعرضوا للاغتصاب دون أن يخافوا من تهديد من يعتدي عليهم؟ هل يقومون بتوعية الآباء لكي لا يتنازلوا عن حقوق أبنائهم المعتدى عليهم قضائياً إذا كان المعتدي أحد الأقارب؟ كما أن من المهم أن يقوم المدرسون والآباء بتحفيظ الأطفال رقم حماية الطفل «998» لكي يتصلوا بالمعنيين لإنقاذهم.
إن أهم ما يجب أن يحدث بعد الاعتداء على الطفل هو احتضان والديه له بحنان وتصديق كلامه بعد التأكد من حقيقة ما حدث وتقديم العون والمساعدة النفسية له، حتى يتخطى مرحلة الأزمة الحادة. إن تطبيق ما ذكرت يساعد فعلاً على تخفيف الشعور بالخوف لدى الطفل، ويساعده على التخلص من الشعور بالخزي والعار الذي يحطم مستقبله، حيث يزرع لديه الإحساس بالذنب وعدم الثقة بالنفس.
ومع تزايد حالات اغتصاب الأطفال بشكل كبير كما ذكرت الدكتورة شريفة سوار، فإن من الواجب على المسؤولين توعية الأبناء والآباء ومضاعفة الجهود خاصة من قبل أجهزة الإعلام ووزارة التربية والتعليم لتقوم بدورها الإيجابي والمطلوب في مواجهة خطورة هذه المشكلة التي تشقي أبناءنا وتعذبهم بأن تقوم أجهزة الإعلام ووزارة التربية والتعليم معاً بحملة مدروسة للقضاء عليها.
ويكفي أن أنهي مقالي بقصة عذاب زوجة تعرضت للاغتصاب في طفولتها على لسانها، لندرك التأثير الخطير على مستقبل أبنائنا؛ حيث تقول في عرض مآساتها لتحصل على المساعدة في إحدى المجلات الاجتماعية: «أنا متزوجة منذ أربع سنوات ولدي ولدان، مشكلتي أنني تم الاعتداء علي جنسياً عندما كنت طفلة من قبل أقارب لي أعرفهم، وهذه العقدة النفسية تؤثر على علاقتي الزوجية بحيث أنني أحاول تجنب العلاقة الجنسية مع زوجي، ولا أتمتع بممارستها رغم أن زوجي يحبني وأحبه كثيراً، ويعاملني بحب واحترام، وبعد ذلك أؤنب نفسي وأقضي وقتي في محاسبتها، بأني أظلم زوجي وأن الله سيحاسبني على ما أفعله به، وأتمنى أن أسعده وأتمتع معه زوجياً لكني محرومة من ذلك بسبب هؤلاء المجرمين الذين اعتدوا علي جنسياً في طفولتي، أتمنى أن يساعدني أحد بمعالجتي لكي لا أدمر زواجي».
هذه المأساة تحدث لكل إمرأة أو رجل يتعرض للاعتداء الجنسي في طفولته، فهل يدرك المسؤلون بالوزارات أهمية توعية الأطفال والآباء قبل أن يستفحل الخطر ويدمر أطفالنا؟