نواصل في الجزء الثاني من المقال حديثنا عن مشاعر الكراهية التي تكنها إيران تجاه العرب والمسلمين. فقد ذكرت وكالة مهر للأنباء في أبريل 2005 أن وزير الثقافة والإرشاد محمد حسين صفار هرندي قال في احتفال أقيم لدراسة أعمال الشاعر الفردوسي منصور إن «الإساءة للفردوسي هي مقدمة للإساءة والعدوان على إيران»، مضيفاً أن «على الشعب الإيراني التزود بحماسة الفردوسي لمواجهة الأعداء»، ولم يذكر من هم الأعداء!
ولننظر إلى ما ذكره الأحقاقي «وهو رجل دين فارسي بارز»، عن صحابة رسول الله الفاتحين لبلاد فارس ونواياهم، فقد قال «إن الصدمات التي واجهها كل من شعبي إيران والروم الكبيرين نتيجة لحملات المسلمين والمعاملة التي تلقوها من الأعراب البدائيين الذين لا علم لهم بروح الإسلام العظيمة أورثت في نفوسهم نزعة صدود عن العرب وشريعة العرب، فطبيعة سكان البادية الخشنة هي الخراب والدمار اللذان ألحقوهما بالمدن الجميلة والأراضي العامرة في الشرق والغرب…إلخ».
تخيلوا معي أن يقوم الصحابة الكرام بهذه الرحلة الشاقة والطويلة والتي يمكن أن يستشهدوا فيها على الأغلب من العطش والجوع من أجل عيون الفارسيات حيث إن صحابة رسول الله في نظر الأحقاقي عبدة للشهوات!!
وهكذا تستمر محطات الصدام العربي الفارسي وبشكل مطرد، فها هو أبو لؤلؤة الفارسي المجوسي يرفض أن يدفع ما عليه من خراج «ضريبة» إلى أن سأله الخليفة عمر بن الخطاب رضي الله عنه عن سبب إحجامه عن دفع ما عليه من خراج ككل الباعة والحرفيين في السوق، والحوار المعروف الذي دار بينهما والذي ختمه أبو لؤلؤة بتهديد الخليفة رضي الله عنه أمام الناس علناً بقتله، ليذهب بعد ذلك ويأخذ خنجراً ويضعه في السم شهراً كاملاً قبل أن يهجم عليه في صلاة الفجر ويقتله به. وما أدراك ما قيمة هذا الرجل في إيران اليوم، والتقديس الذي يلقاه عند كبار رجال الدين وفي حوزات الدين العلمية، فلقد ذهب بهم الأمر أن بنوا له ضريحاً وهمياً وزعموا أن «من زاره غفر الله له ما تقدم من ذنبه مع أنه مات مجوسياً!».
وبمناسبة أنه مات مجوسياً هذه تذكرت أن أحد علماء الفرس الكبار وهو المجلسي كان قد ذكر في كتابه «بحار الأنوار»، أن «كسرى الفرس الأخير «يزدجرد» نفسه الذي هرب من معركة القادسية ليموت بعد عام مقتولًا سيكون من الذين لن تمسهم النار أبداً يوم القيامة رغم موته كمجوسي لماذا؟ لأن جمجمته قابلت الإمام علي رضي الله عنه عند زيارته أرض فارس -على الرغم من أنه لم يزر بلاد فارس قط- وتحدثت إليه لتخبره بأنها جمجمة كسرى الفرس وأنه أراد الإيمان برسالة الرسول محمد إلا أن مشاغل الملك الكثيرة لم تترك له مجالاً لاعتناق الإسلام ولأنه كان عادلاً مع قومه فإنه لن يدخل النار ولن تمسه أبداً»؟! والتعليق متروك للقارئ.
ولإنجاح استيلاء العباسيين على الخلافة قام الفرس بمساعدة العباسيين على يد أبي مسلم الخراساني ضد الأمويين الذين حذروا الناس منهم كثيراً ولم يأمنوا مكرهم لإسقاط دولتهم إلا أن أبا جعفر المنصور عرف أن أبا مسلم الخراساني خائن وغدار بعد أن اختبره في عدة مواقف فتغدى به قبل أن يتعشى هو به.
ومرة أخرى وفي عهد العباسيين يأتي الخليفة هارون الرشيد ليكتشف المكائد والدسائس التي صاغها وحاكها الفرس البرامكة في قصره، وحينها قرر أن يأكلهم هذه المرة على مائدة إفطاره عند الصباح بعد أن كانوا قد باتوا سكارى وثمالى في الليلة السابقة لتحصد السيوف رقابهم قبل طلوع الشمس.
الشاعر المتنبي لم يطق وجود الفرس في بغداد يوماً، لذا قرر تركها والذهاب إلى الأمير سيف الدولة الحمداني في حلب، وهناك لقي ما لقي من مكائد من ابن خالويه الفارسي الآخر، الذي لطالما حاول الانتقاص من شأن المتنبي عن طريق المغالطات النحوية في اللغة العربية، بغضاً وحسداً أمام الأمير سيف الدولة الذي كان دائماً في حالة انبهار واندهاش من شعر المتنبي، إلى أن حدث ما حدث، فاضطر المتنبي إلى مغادرة حلب إلى مصر والمدهش والغريب أن ابن خالويه هذا كان فارسياً قد أتى من خوزستان وكانت اللغة العربية لغته الثانية، وليست الأولى، ورأينا كيف كان دخول المغول إلى بغداد والتسهيلات التي قدمها الفرس إلى هولاكو وخاصة الرجل المدعو الخواجة نصير الدين الطوسي والدور الكبير الذي لعبه في إرشاد جيش هولاكو لقتل البغداديين، والملفت للانتباه أن هذا الرجل كان قد حاز على إعجاب قائد الثورة الخميني، حيث قال عنه في كتابه «الحكومة الإسلامية» صفحة 128: «ويشعر الناس بالخسارة أيضاً بفقدان الخواجة نصير الدين الطوسي وأمثاله ممن قدموا خدمات جليلة للإسلام»، ويبدو أن قتل المسلمين يعد عملاً جليلاً، وأمرت إيران بوضع صورة الطوسي على طابع البريد بمناسبة مرور 700 عام على ذكرى وفاته. «يتبع».
* كاتب سوداني مقيم في لندن