كشف ولي ولي العهد السعودي ووزير الدفاع الأمير محمد بن سلمان بن عبدالعزيز آل سعود عن جوانب جوهرية خلال إعلانه عن «رؤية السعودية 2030» التي أعدها مجلس الشؤون الاقتصادية والتنمية الذي يرأسه، وأقرها مجلس الوزراء السعودي والتي تشمل مجالات اقتصادية واجتماعية وعسكرية، من خلال خطة طموح تشمل إصلاحات واسعة تهدف لخفض اعتماد المملكة على النفط وتحويلها إلى قوة استثمارية عالمية. لكن أكثر ما يلفت الانتباه 3 تصريحات للأمير محمد بن سلمان، اتسمت بالجرأة، ألقى من خلالها الضوء على نقاط استراتيجية. التصريح الأول، عندما تحدث عن إنشاء صندوق الثروة السيادية، ومن خلاله ستستثمر الدولة في الداخل والخارج لتنويع مجالات الاقتصاد وخلق مصادر دخل جديدة للحكومة، وتقدر قيمته بنحو 2 تريليون دولار، وهو أكثر من ضعف حجم صندوق الثروة السيادية النرويجي، المعروف بأنه الأضخم في العالم. وفي هذا الصدد، قال الأمير محمد بن سلمان «عندنا القوة الاستثمارية الرائدة في العالم، سيكون أضخم صندوق في الكرة الأرضية، الصندوق سوف يسيطر على أكثر من 10% من القدرة الاستثمارية وسيكون محركا رئيساً للكرة الأرضية وليس فقط للمنطقة، ولن يكون هناك أي استثمار أو حركة أو تنمية في أي منطقة من مناطق العالم، إلا بصوت الصندوق السيادي السعودي». وستحول السعودية شركتها العملاقة للنفط، «أرامكو»، لشركة قابضة في مجال الطاقة وبيع أقل من 5% منها في طرح عام أولي سيجذب رؤوس أموال جديدة مما سيساعد على تنويع موارد اقتصاد المملكة وزيادة الثقة العالمية في الشركة عبر الشفافية. ولاشك في أن رغبة السعودية بالتفكير في مرحلة ما بعد النفط، لا يمكن أن يتحقق إلا باستثمارات ضخمة، وهذا ما ذهب إليه مراقبون في أن لدى السعودية الوقت الكافي لبناء اقتصاد بديل، بعد أن أدركت حجم تعويلها على النفط وأهمية أن تبدأ بالتخلص من هذا في وقت مبكر، ومن ثم يمكن أن تتجه إلى تنويع مصادر الدخل لزيادة الاستثمار. وخطة الإصلاح الشاملة التي يتبناها الأمير الشاب مستوحاة من «دراسة ماكينزي» التي تحمل عنوان «ما وراء النفط»، والتي بينت كيف يمكن لبلد أن يضاعف الناتج المحلي الإجمالي خلال 15 عاماً مقبلة، وإعادة تكوين نفسه مع الاستثمار في مجال الصناعات، من التصنيع الكهربائي إلى السيارات والرعاية الصحية والتعدين المحلي والصلب وصهر الألمنيوم والطاقة الشمسية والسياحة خاصة الدينية، مروراً بالتكنولوجيا. ويبدو جلياً أن الخطة الطموحة التي تقوم على تحويل الاقتصاد الريعي النفطي إلى إدارة أموال واستثمارات ستحتاج إلى تشريعات للقضاء على البيروقراطية. ويرى محللون أن السعودية بإنشائها أكبر صندوق سيادي في العالم ستصبح لاعباً أساسياً في أسواق المال الدولية، وهنا يطرح تساؤل حول مدى رغبة المملكة في الاستثمار في الصناعات الغربية الناجحة والمعروفة على غرار صندوق قطر السيادي الذي تبلغ قيمته 250 مليار دولار ويساهم في شركة «فولكسفاغن» الألمانية ومحلات «هارودز» البريطانية.
أما التصريح الثاني الأكثر جرأة، فهو حديثه عن الصناعة العسكرية السعودية متسائلاً «هل يعقل أن الجيش السعودي هو ثالث أكبر جيش في الإنفاق العسكري عالمياً فيما تقييمه يتراجع إلى المرتبة الـ 20؟! وهل يعقل ألا يكون في المملكة صناعة عسكرية داخلية؟!». وقد أقر الأمير محمد بن سلمان بوجود خلل في التوازن بين الإنفاق المرتفع والقدرات التي لم تجارِ حجم الإنفاق، ما أسفر عن انخفاض ترتيب الجيش السعودي أمام جيوش أخرى أقل إنفاقاً، وعلق على ذلك بقوله «نعم، نحن ننفق أكثر من بريطانيا، أكثر من فرنسا، وليست لدينا صناعة، لدينا طلب قوي على الصناعات العسكرية يجب أن نلبيه داخل السعودية.. إنه تحد»، في إشارة إلى عزمه إلى الوصول بقدرات الجيش السعودي إلى المرتبة الثالثة. وتعتبر السعودية الثالثة في الإنفاق العسكري بواقع 87 مليار دولار، متقدمة على روسيا وبريطانيا والهند وفرنسا، وقد صرفت السعودية خلال 5 سنوات 70 مليار دولار على التسلح. ومن هنا كان بالضرورة أن تتجه السعودية في رؤيتها الطموحة الى رفع التصنيع الحربي بحيث يحقق اكتفاء بنحو 50%، وهو ما أشار إليه الأمير محمد بن سلمان في أن «المملكة تعمل على إعادة هيكلة العديد من الصفقات العسكرية التي تبرمها مع جهات خارجية، بحيث تكون مرتبطة بصناعة سعودية».
وكشف أن «المملكة بصدد إنشاء شركة قابضة للصناعات العسكرية مملوكة 100% للحكومة، تطرح لاحقاً في السوق السعودي أيضاً للشفافية، حيث يكون المواطن مطلعاً على الصفقات العسكرية وأداء الشركة وعلى المبيعات وعلى الصفقات والصناعات في الشركة». وهناك 4 سيناريوهات من المتوقع أن يشتمل عليها تطوير الصناعات العسكرية في السعودية، تتضمن توطين الصناعات العسكرية بنسبة 50% مقارنة بـ2% حالياً، وتوسيع دائرة الصناعات المتقدمة مثل صناعة الطيران العسكري، وإقامة المجمعات الصناعية المتخصصة في المجال العسكري، وتدريب المواطنين وتأهيلهم للعمل في مجال القطاعات العسكرية.
أما التصريح الثالث الجريء للأمير محمد بن سلمان فكان حديثه عن تعزيز مكافحة الفساد، وقد ذكر مصطلح الشفافية على لسانه في أكثر من موضع مؤكداً أن «ما يهمنا اليوم أن نكون في مقدمة الدول في مكافحة الفساد». لذلك لم يكن غريباً الاهتمام البالغ من الصحافة الغربية بتفاصيل الرؤية السعودية، فقد قالت صحيفة «التلغراف» البريطانية إن «ولي ولي العهد السعودي، عازم على تحطيم الوضع الراهن» من خلال ما أطلقت عليه «إعصار من التغييرات في مجال الاقتصاد». ووصفته بأنه «يملك قوة هائلة في الاقتصاد والدفاع»، متوقعة «الاستعانة بخبراء من التكنوقراط، ينتظرهم برنامج عمل شاق». وأشارت الى أن «خطة 2030، التي أطلقها الأمير تهدف إلى خفض مقداره 80 مليار دولار من الهدر في الإنفاق كل عام، وفرض قدر من النظام على الأموال في المملكة».
* وقفة:
«أهنئ الوطن بإطلاق رؤية السعودية 2030 وأدعم عضيدي وأخي ويدي اليمنى محمد بن سلمان على هذه الرؤية الطموحة، حفظ الله ملكنا، وحفظ وطننا»، هكذا غرد ولي العهد السعودي الأمير محمد بن نايف بن عبدالعزيز مهنئاً ابن عمه الأمير محمد بن سلمان، على موقع «تويتر».
فلا عجب ممن أطلق «عاصفة الحزم» وأسس تحالفاً إسلامياً لمكافحة الإرهاب وقاد «رعد الشمال» أن يتبنى رؤية شاملة تؤتي أكلها خلال 15 عاماً.