احتل مضيق هرمز أهمية ومكانة بالغتين ليس على المستوى الإقليمي وحسب، وإنما عالمياً، وهو ما اجتذب أطماع قوى استعمارية كبرى على مدى قرون من الزمن. وقد بلغ المضيق تلك المكانة كونه طريقاً استراتيجياً وهاماً لعبور السفن التجارية، ولا شك في أن أهميته باتت في ازدياد مذ اكتشف النفط في الخليج العربي وبدأ إنتاجه وتصديره، ليصبح مضيق هرمز الشريان النفطي للعالم.
وفي ظل العلاقات الخليجية الإيرانية التاريخية، التي تشبه حركة «الأفعوانية» في مدينة الملاهي، وفي ظل ما تبثه إيران من سمومها الأفعوانية تلك، تصعدت الخلافات البينية في السنوات الأخيرة بما يعزز الهواجس الأمنية للخليج العربي، لاسيما في ظل عدد من الملفات الحساسة التي تزيد من هوة الخلاف والمخاوف، والمتمثلة في التوازنات الدولية الآخذة في التحول بصورة متسارعة وعلى نحو صادم، وخصوصاً لدول الخليج العربية، في أعقاب التوقيع على الاتفاق النووي الإيراني، وما رافقها من رفع للعقوبات، والاستدارة الأمريكية عن الخليج العربي، كلها عوامل تجعل من إيران مشروع لقوة إقليمية مهيمنة بمباركة المجتمع الدولي، وتمنحها مزيداً من الفرص للفرعنة وتضييق الخناق على دول الخليج بأساليب شتى، منها استخدام ورقة الضغط الأهم «مضيق هرمز».
إن ظهور مشروع «قناة سلمان» المائية الصناعية الكبرى، بطول 950 كم، وعرض 150م، وعمق 25م، لتمتد من الخليج العربي إلى بحر العرب، بما يختصر مسافة العبور إلى بحر العرب إلى النصف مقارنة بمضيق هرمز، تمثل التفافاً ذكياً على مضيق هرمز، للخروج من عنق الزجاجة الجغرافية والسياسية والاقتصادية بسلام، ليكون «مشروع القرن» بحق. ورغم ما ستحققه «قناة سلمان» لو نفذت من مكاسب اقتصادية وتنموية يتمثل أبرزها في توليد الطاقة الكهربائية وإنتاج المياه المحلاة وإنشاء مدن سكنية وصناعية جديدة، إلى جانب تنشيط حركة السياحة على الشواطئ، والإنتاج الزراعي والحيواني في قلب الصحراء نظراً لتوفر المياه. إلا أن مشروعاً كهذا محفوف بكثير من التحديات التي على الدول المعنية به العمل على تذليلها، يأتي في مقدمتها ضخامة تكلفة المشروع والتي قدرت في إحدى الدراسات بـ80 مليار دولار، إذ اقترحت الدراسة شراكة الدول المستفيدة برأس المال، وهو أمر غير قابل للتحقيق في حالة مثل اليمن، نظراً لما تواجهه من تحديات اقتصادية وأمنية داخلية هي الأخرى. ومع ذلك، فإن مشروع وإن بدا حالماً، إلا أن لا ضير من البحث في كافة السبل لتذليل التحديات التي تواجهه لما سيتمخض عنه - لو تحقق - من انفراجة حقيقية للخليج العربي على عدد من الأصعدة.
* اختلاج النبض:
من أطرف التعليقات التي وردتني حول مشروع «قناة سلمان»، كان في نقاش تداوله أعضاء «مجموعة مراقبة الخليج»، قال فيه أحد النخب الفكرية بنظرة استراتيجية صادمة: «بعد حفر القناة، أتوقع نقل رمال الربع الخالي، وردم الخليج العربي» نكاية بإيران!!