اعترف بأن قراءتي للسياسة الأمريكية كانت خاطئة جداً.. اعترف أيضاً بأن عاطفتي الجياشة كانت أيضاً في غير مكانها الصحيح عندما فرحت أولاً بترشيح باراك حسين أوباما لرئاسة الحزب الديمقراطي، ليترأس الولايات المتحدة الأمريكية، وكانت سعادتي لا توصف عندما فاز بمنصب رئيس هذا البلد الكبير، ولا أذيع سراً إن قلت إن دموع زعامات السود في أمريكا التي نزلت مدرارة ساعة تنصيب أوباما بالرئاسة قد أبكتني، لأني كنت أدرك جيداً معنى أن يكون الرئيس من جذور سوداء لأكبر دولة في العالم تتحكم في مصائر الشعوب.
كنت أظن.. وإن بعض الظن إثم.. بأن الرئيس الذي أتى من الجذور الإفريقية، والذي عانى أجداده وآباؤه الضيم بكل أنواعه، وذاقوا مرارة التعذيب الجسدي والنفسي في بلادهم، وفي الولايات المتحدة من أعمال عنصرية يندى لها الجبين، كنت أظن بأن هذا الرجل خاصة وأنه قد جاء بشعار إعادة الأمل للأمة التي أرهقها انتظار العدالة والنيل من الظلمة، سيعيد الأمور لنصابها الصحيح.
وسبق ترشيح الحزب الديمقراطي إصدار باراك أوباما كتابه الذائع الصيت «جرأة الأمل: أفكار لاستعادة الحلم الأمريكي»، وهو ثاني كتاب يؤلفه باراك أوباما حين كان عضواً في مجلس الشيوخ الأمريكي في خريف 2006، وأصبح الكتاب رقم واحد في قائمة الكتب الأكثر مبيعاً لكل من صحيفة «نيويورك تايمز» الأمريكية و»موقع أمازون» المشهور ببيع الكتب، كما أن المرأة الأكثر شهرة عالمياً ذات الجذور الإفريقية أوبرا وينفري، روجت للكتاب، ودعمت أوباما حتى قبل إعلانه ترشحه للرئاسة، وأعلن أوباما ترشحه للرئاسة في 10 فبراير 2007 بعد أقل من ثلاثة أشهر من صدور الكتاب.
ومن خلال كتبه التي نشرها على العالمين وتحدث عنها كبار الشخصيات في المجتمع الأمريكي، عرض أوباما أفكاره حول الكثير من القضايا التي أصبحت لاحقاً محور حملته الانتخابية في 2008، ودفع الناشر لباراك أوباما 1.9 مليون دولار مقابل التعاقد على ثلاثة كتب كان «جرأة الأمل ثانيها»، ومما نشر عن هذه الكتب من مقالات وأخبار وتقارير صحفية، فقد شدتني القيم الإنسانية الرفيعة التي تحدث عنها أوباما فيما يخص العدالة الإنسانية وترسيخها ليس في أمريكا فقط، بل في العالم قاطبة، وعزمه الانتصار على الأفكار الهادمة وإحلال الحكم الرشيد، وتصورت في مخيلتي بأن رئاسة أمريكي قادم من جذور إفريقية سينهي سطوة الكثير من الأنظمة الإفريقية التي تحكم شعوبها بالحديد والنار، وشردتهم في الأرض، وكنت أعتقد وأظن بأن أوباما يشعر بمعاناة أجداده وآبائه الذين نكل بهم الأمريكي «الأبيض»..!!
لم أكن وحدي الذي خدع في الرئيس أوباما، هناك الملايين الذين صدموا للإنكار الشديد للرئيس ونكوصه بتعهداته في مهرجان التنصيب الأول، والذي وجد فيه تكريماً وتقديراً غير مسبوق في التاريخ الأمريكي، إلا ذلك الذي حصل عليه الزعيم أبراهام لينكولن رئيس الولايات المتحدة الأمريكية السادس عشر، محرر السود في هذا البلد، وأبراهام لينكولن صاحب مقولة عظيمة وبالغة التوصيف تقول «يمكن أن تخدع كل الناس بعض الوقت، وبعض الناس كل الوقت، لكنك لن تستطيع خداع كل الناس كل الوقت»، العبارة يمكن أن توجه للرئيس أوباما وتتمثل فيه تماماً، عبارة قوية وواقعية لأنها مرتبطة بالواقع المعاش، وأنا شخصياً أحد ضحايا خداعه، لكن الحمدلله لم انخدع مطلقاً، وقد اكتشفت ألاعيبه منذ أول عام رئاسي له.
في عهد باراك حسين أوباما تجذر الإرهاب في العالم وأصبح «دولة» لها إمكانيات عابرة للقارات، وليس منظمات صغيرة محدودة الجانب والقدرات، وفي عهد السيد أوباما تمدد التطرف الديني بفعل السياسات الأمريكية ودعمها للحركات الراديكالية في العالم العربي، من أجل زيادة مبيعات الأسلحة، ما يعني أن أسلوب الضوائق المالية الأمريكية لا يحل إلا عبر هذه الوسيلة التي تعبر عن الفقر الفكري والمعرفي بل والإنساني، ولا أدري أين راحت تلك الخطبة العصماء التي قالها الرئيس اوباما في حفل التنصيب الأول، 8 سنوات كشفت لنا أن القوى الحقيقية الحاكمة في الولايات المتحدة الأمريكية هي تلك التي تقبع خلف الكواليس وليس الرئيس الذي يظهر في الشاشات ويخاطب العالم..
وضاع الأمل ضاع..!!!