منذ أسبوع ظهرت حالة هروب جديدة لإحدى الفتيات، ما استوقفنا في القصة أنها تعتبر أحد الأدلة التي ترد على من يدعي أنها مجرد حالات بسيطة لن تتحول لظاهرة «ما ادري من وين يابوا هالدم البارد اللي ما فيه ذره حمية او غيره على سمعة بنات البحرين»، كما أنها تعتبر خير شاهد يرد على مبرر مفاده أن «هروب الفتيات يأتي بسبب خلل في التربية الأسرية».
للعلم عبارة «بناتنا متربيات مستحيل يشردون مثلهم واللي شردوا بسبب ضعف في التربية»، هو اعتراف بالأصل وشهادة من هؤلاء أن هناك قوانين موضوعة سببت هروب الفتيات ومشاكل مجتمعية خطيرة!! فلم لا يتحول الاجتهاد ولو لمرة إلى إيجاد حل لإغلاق هذا الباب بدلاً من الاجتهاد في إقرار قوانين جديدة عملت على زيادة بنود حرية المرأة في السكن والتنقل والتصرف؟
تقول لنا الأم: «توفي زوجي وترك لي ابنة صغيرة فتزوجت بآخر، وقمنا بتربيتها والعناية بها على أكمل وجه، إلى جانب أربعة أبناء من زوجي الحالي، ما إن كبرت الفتاة وحصلت على رخصة قيادة السيارة وبدأت تخرج إلى المجتمع حتى تغيرت قليلاً، أصبحت تتأخر عن المنزل ولها «طلعات»، وفور ملاحظتنا لهذه التغييرات حاولنا تدارك الأمر حتى جاءتني يوماً تقول لي: كل الناس تسافر لم نحن لا نسافر؟ فلما أخبرتها أننا سنرتب للسفر قالت: لا، أريد أن أسافر مع صديقاتي بضعة أيام فلما أخبرتها أن «بنت الناس التي تأتي من بيئة محترمة محافظة لا يمكن أن تسافر لوحدها من دون ولي أمر»، حتى وجدتها تتشاجر معي وتخبرني أنها ستتجه إلى خالتها التي تعيش لوحدها».
تكمل الأم: «كنا قد تبرأنا منها فقبل عدة سنين أخذت تطالب بالعيش لوحدها في شقة لممارسة تصرفات لا تليق بنا بكل حرية، وتعب شقيقي وهو يحاول تقويمها حتى استسلمنا للأمر الواقع في الأخير، فالقانون يتيح لها حرية السكن وقد اتجه شقيقي إلى المحكمة وتبرأ منها! ولم أتخيل يوماً أن تأتي ابنتي التي تعبت في تربيتها وانتظرتها حتى تكبر وتتزوج لكي تعتبر خالتها قدوة بل والغريب أنها عندما غادرت المنزل، وتوقعت أنها ذهبت لخالتها للعيش معها لأكتشف أنها خارج البحرين!! بعد عودتها من السفر شعرت وأنا أتناقش معها كأنها ليست ابنتي، فكل شيء فيها تغير حتى إنها أخذت تشرح لي القوانين الجديدة التي تكفل لها حريتها ثم أخذت ملابسها وخرجت، وها هو أسبوع كامل مضى لا أعلم عن ابنتي شيئاً وهاتفها مغلق!».
سألناها: لما لم تتجهي إلى الجهات الرسمي للتقدم ببلاغ عن هروبها؟ فكانت الصدمة في قولها: «وماذا سيفعلون لي؟ لقد هربت فتيات ولم يعدن كما حصل مع خالتها، هل سيعيدون لي ابنتي وهي تدعي أن زوجي وشقيقه تحرشا بها، وكانت تهددني بالقانون الذي يتيح لها فعل ما تريده لأن عمرها 21 سنة! لقد ترك زوجي المنزل وهددني بالطلاق كونه لم يتحمل اتهامه بالتحرش بها، كما أنه قرر أخذ ابنته الصغيرة لتعيش مع أهله في دولة خليجية أخرى، حتى تبلغ السن القانوني ويزوجها هناك، والواضح أنه لا حل لنا سوى الهجرة إلى دولة خليجية أخرى يتواجد بها أهله»، تطرح الأم سؤالاً: «لماذا تسن قوانين تهدم كل ما بنيناه في التربية سنين طويلة بلحظة واحدة؟ ابنتي من الواضح أنها تمر بمرحلة لا تجعلها تحسن الاختيار وقد تكون مراهقة متأخرة، ولا يعقل ألا يوفر لنا غطاء قانوني لحمايتها ممن شجعوها على الهروب والسفر!».
هذه القصة الجديدة تكشف النتائج السلبية التي تتحملها عائلات الفتاة الهاربة، ونعود لنطرح على وزير العدل عدة أسئلة مهمة: كان أحد النواب قد طرح سؤالاً عن قضية هروب الفتيات فجاءت الإجابة منك: «إذا هربت فتاة ولجأ والدها للمحكمة الشرعية تعاد له»، فلماذا لم يتم تطبيق هذا مع هذه الحالات؟ ولماذا لا يتم توفير أشخاص متخصصين في مراكز الشرطة والجهات التي تلجأ لها هذه العائلات لكي يوضحوا للعائلات الخطوات الواجب اتباعها بدلاً من إضاعة الوقت والمجهود في الاتجاه لأكثر من جهة بالدولة دون الحصول على بند قانوني واحد يعيد لهم ابنتهم؟ أليس من المفترض أن يتم التنسيق مع اللجنة الوطنية لمكافحة الاتجار بالبشر على سبيل المثال لإيجاد جهات متخصصة تعمل على حل قضايا هذه العائلات؟