في جلسة نسائية ثقافية جمعتني مع مجموعة من الفتيات والنساء العربيات، أرادت إحداهن التدخين فعرضت علينا تداول علبة السيجارة الخاصة بها والقداحة. وكانت جميع الحاضرات لا يدخن. فأبدت السيدة شيئاً من الاندهاش وجرى نقاش سريع حول التدخين وأضراره. وكدت يزل لساني وأقول إننا في البحرين نصنف تدخين المرأة من ضمن الانحرافات الاجتماعية، ولكني سريعاً ما تنبهت إلى أن السيدة المدخنة هي سيدة محترمة جداً وجادة ومنتجة وتعد نموذجاً في العطاء والنجاح والوقار، فلجمت أفكاري سريعاً.
وأتذكر أن أغلب الحكومات العربية، وخصوصاً الخليجية، شنت حملات كبيرة ومنظمة وفاعلة لمكافحة التدخين والحد من أعداد المدخنين. وكانت الفئة المستهدفة تحديدا هي فئة الرجال. وتم طرح العديد من البرامج الصحية التي تبين مضار التدخين على الصحة وعلى البيئة وعلى الأطفال وباقي أفراد الأسرة والمجتمع غير المدخنين. وتم حظر التدخين في العديد من المرافق الحكومية والتجارية. وقد وصل الأمر إلى مناقشة بعض الفتاوى الدينية التي تحرم التدخين باعتباره مهلكة للجسد والمال. حتى صار عرفاً اجتماعياً بأن المدخن هو شخص خارج عن الاتفاق الاجتماعي السليم وصارت بعض الأسر ترفض زواج بناتها من الرجل المدخن.
أما وضع تدخين الشيشة في دول الخليج تحديداً، فقد كان ينظر إليه بأنه تقليد تراثي قديم، ومن النتائج السلبية لعمليات التبادل الثقافي في دول الخليج. وكان أغلب مدخنو الشيشة من كبار السن الذين كنا نتوقع أن بوفاتهم سوف تنقرض الشيشة من الخليج. إذ إن الشيشة أو المعسل أو الأرجيلة لم تكن تلقى جاذبية عند الشباب لثقلها ولترتيبات إعدادها الخاصة. فضلاً عن عدم وجود مقاهٍ خاصة بالشيشة في السنوات العشرين السابقة.
أما بعد،،،، فثمة شيء ما غير مفهوم قد حصل، في دول الخليج تحديداً!! انتعش الدخان بكافة صوره من سيجارة وسيجار وشيشة. وازدهرت مقاهي الشيشة حتى أن بعض المقاهي التي كانت تحظر التدخين خصصت أماكن خاصة للمدخنين والمشيشين. واقتحمت الفتيات الخليجيات عالم الدخان بصورة غير متوقعة. وانتقل أغلبهن من مرحلة التدخين في جلساتهن الخاصة إلى التدخين العلني وفي أي موقع. ولا أثر لوجود أي حملات توعوية، حكومية كانت أو خاصة، ضد مساوئ انتشار الدخان.
وبذلك لم يعد مقبولاً اجتماعياً أن نصنف المدخنين الجدد في هذا السياق ضمن التقييم الأخلاقي للمجتمع. فالتدخين قد صار يدخل شيئاً فشيئاً ضمن الممارسات الاجتماعية المعتادة. وقضية أضراره الصحية أصبح بالإمكان مقارنتها بمخاطر الهواتف الذكية واستخدام المايكروويف أو تناول الوجبات السريعة!! فهل للأمر علاقة بوجود تجارة عالمية للدخان يديرها في بلداننا مجموعة من المتنفذين الذين يجنون المليارات على حساب صحة البشر والشجر؟! وكيف نفسر الانجراف الاجتماعي للتدخين في ظل التطور الحضاري والفكري وفي ظل انتشار كافة الأمراض التي صارت تترصد بالإنسان وتفتك به برغم معرفة أسبابها؟
هذه ظواهر تحتاج دراسات اجتماعية تفسرها وتقترح لها حلولاً حقيقية.