أثار عدد من الحضور في ندوة أقامها مركز «دراسات» مؤخراً مسألة الهيمنة الصينية الصامتة في الشرق الأوسط. وصف هذه الهيمنة بالصمت تعبير دقيق للغاية، ولكنه ينطبق على دول أخرى مثل الهند تحديداً باعتبارها من الدول الكبرى في النظام الدولي. ودائماً ما كان النظام الإقليمي الخليجي يعاني الصراع السياسي على مستويين، الأول صراع علني بين عدد من القوى الإقليمية والدولية، والمستوى الآخر هو صراع الهيمنة الصامتة الذي تتسلل فيه بعض القوى الإقليمية بنفوذها إلى المنطقة، ويكون تدريجياً نفوذاً هائلاً دون الشعور به.
الهند تربطها علاقات قديمة مع دول الخليج العربي، ونفوذها تمدد إلى المنطقة تدريجياً مع ظهور الوفرات النفطية الضخمة لدول مجلس التعاون الخليجي، وهو ما دفعها إلى أن تتحول إلى مركز رئيس لتصدير العمالة الهندية غير الماهرة في البداية لتلبية الاحتياجات التنموية في هذه الدول، ولكن مع الوقت تطورت هذه العمالة، وبات عدد العمالة الماهرة الهندية في تزايد بمختلف المجالات.
عدد الجالية الهندية في دول مجلس التعاون الخليجي يصل إلى 5 ملايين مواطن هندي يعملون ويقيمون في مجتمعاتنا، وهؤلاء يحولون في الساعة الواحدة نحو 1.3 مليون دولار إلى الهند بما يعادل 15 مليار دولار سنوياً، وهو مبلغ يفوق ميزانية البحرين السنوية بثلاثة أضعاف. وهؤلاء الهنود بدأت شريحة كبيرة منهم الاندماج في المجتمعات الخليجية، وبعضهم صاروا مواطنين.
هذه المعطيات تدفعنا إلى بحث حجم النفوذ الهندي في منطقة الخليج العربي، وفهم اتجاهاتها المستقبلية، وحدود التعامل المرحلي معها.
الهند تتحول منذ فترة إلى قوة عظمى في العالم، من حيث عدد السكان، ومن حيث قدراتها الاقتصادية الفائقة، ويمكن تشبيهها بالصين القوة الصامتة هي الأخرى. وقد لا تكون الهند القوة العظمى في النظام الدولي منفردة، بقدر تحول النظام نفسه إلى نظام متعدد الأقطاب لن تكون الهيمنة فيه غربية كما كان منذ قرون طويلة.
الفهم الخليجي للهند لا يتجاوز حالياً البعد الثقافي باعتبارها مؤثرة تاريخياً في نمط الحياة بالمجتمعات الخليجية. لذلك هناك حاجة لإعادة فهم الهند سياسياً وعسكرياً واقتصادياً، وهو فهم استراتيجي مهم في ظل صعود القوة الخليجية بقيادة السعودية.
لا يمكن إنكار تأثير الهند في نمط حياتنا اليومية، ولكن شعوب الخليج اتجهت غرباً بحثاً عن الحداثة، فالصورة النمطية عن الغرب هي التكنولوجيا. وتجاهلت الشرق الذي تقبع فيه الهند بثقافتها وتاريخها لتكون الصورة النمطية عن الهند متمثلة في «البرياني» لأنها وجبة مفضلة في دول المنطقة، ولم يظهر الاهتمام بالتكنولوجيا الهندية الصاعدة، أو التجربة الهندية في خلق صناعات متعددة باتت قادرة على الاستفادة منها للمنافسة دولياً. هناك هيمنة هندية صامتة في دول مجلس التعاون، ومقابل هذه الهيمنة هناك حاجة للتعرف على مستقبل هذه الظاهرة، وهو ما يتطلب دراستها.