كان المكان بمثابة جمالية في معرض الكتاب الدولي في البحرين لهذا العام، بدت الخيمة البيضاء التي أقيم فيها المعرض كغيمة مكتنزة، غفت فوق سطح البحر، الذي كلله الدفء البارد مع بدء ساعات الغروب. تلك الذائقة الشفافة هي ما ميز إنجازات الشيخة مي بنت إبراهيم آل خليفة رئيسة هيئة الثقافة والآثار. واعتناء الهيئة بتفاصيل معرض الكتاب يماثل اهتمام الكاتب بتفاصيل إصدار كتابه، من تركيزه على تصميم الغلاف، ثم صياغة الإهداء وإنشاء المقدمات، وتقسيم الكتاب إلى فصول وكتابة خاتمة. وعنصر الجذب للكتاب، سواء كان إصداراً خاصاً أم معرضاً قائماً لا يخرج عن أي عملية ترويج تجارية تهدف إلى رفع نسبة المبيعات وتحقيق أرباح. فالحركة الثقافية هي استثمار في حد ذاتها على مختلف الصعد الاقتصادية والفكرية.
ودائماً ما تشير نسب القراءة في العالم إلى تدني النسبة في الوطن العربي. ودائماً ما توصف مناطقنا بأنها الأقل اهتماماً بالقراءة وبحركة النشر والترجمة. وتلك المؤشرات يتم قياسها عبر رصد عمليات بيع الكتب وتتبع الإنتاج المعرفي عن طريق إصدار الكتب وترويجها وعدد الكتب المترجمة من لغات عدة، وتقييم الميزانيات التي تخصصها الدول للبحث العلمي.
وفي بلد صغير مثل البحرين يعيش فيها عدد قليل، نسبياً، من السكان كان حجم الإقبال على معرض الكتاب الأخير إقبالاً كبيراً يزرع الأمل في أن الاتجاه نحو القراءة ونحو تداول الكتب ليست بالنسبة السيئة التي تتداولها المؤشرات الدولية. وتضاف الأعداد الكبيرة التي ارتادت معرض البحرين الدولي للكتاب إلى الأعداد الكبيرة أيضاً التي ارتادت معرض القاهرة للكتاب، ومعرض الشارقة، ومعرض الرباط، فالعرب فيما يبدو يرتادون بأعداد جيدة معارض الكتاب ويشترون ليس قليلاً من الكتب.
كما أن جميع معارض الكتاب التي أقيمت في الدول العربية تضمنت فعاليات ثقافية وندوات ومهرجانات حظيت بحضور كبير أيضاً. فأين تكمن المشكلة التي تجعل من العرب أقل القراء في المؤشرات الدولية وأقل المنتفعين بالإنتاج الفكري؟ هل مازال العرب يعيشون على التراث الكلاسيكي الذي يجعل من مكتبة المنزل ديكوراً تقليدياً مثل اقتناء التحف واللوحات العالمية؟ وهل حضور الفعاليات الثقافية ينتهي أثره بمجرد مغادرة القاعات؟
إن اهتمام الدول والمؤسسات الثقافية بإقامة معارض للكتب يرافقها فعاليات ثقافية عديدة تعد مبادرات ثقافية هامة. ولكن نحن بحاجة إلى إضافة عنصر التوعية بأهمية تحول القراءة إلى سلوك عام ودائم وتدريب الفئات الاجتماعية على كيفية رفع نسبة ما تقرأ وتجويد نوع ما تقرأ وكيف تستفيد مما تقرأ.