«كانت مريم في الخمسين عمرها.. كرست حياتها لرعاية أبنائها الثلاثة حتى دخلوا الجامعة.. مثلها مثل أي ربة منزل تقضي الكثير من وقت فراغها في مشاهدة التلفاز.. جلست باسترخاء تقلب القنوات التلفزيونية.. ثم ابتسمت وهي تشاهد ذلك الإعلان.. فتاة غيداء.. حسناء متوشحة بألوان سماوية تمتزج مع زرقة السماء تجلس على الكرسي باسترخاء جميل..الهواء العليل يداعب شعرها الطويل.. تتنهد باسترخاء وسعادة.. تمسك قطعة الشوكولاتة بلذة.. تقضمها بنشوة.. وهي تدوخ ببهجة على نغمات الموسيقى المترنمة ببهجة لا تضاهى.. بلا وعي وجدت مريم نفسها تأكل قطعة الشوكولاتة وهي تشعر بالاسترخاء.. ثم قلبت القنوات مرة أخرى، وجلست متوترة مشدودة الاعصاب، أمام ذلك الإعلان أكثر من غيره.. شاب جميل يشبه ابنها يصاب في حادثة بسبب السرعة.. الدم يملأ الشاشة ويلطخ قلبها.. صورة الكفن تجعل دموعها تنهمر دون ارادتها..
ترفع سماعة الهاتف وتخاطب ابنها الأصغر.. هل أنت بخير.. لا تسق بسرعة!».
هذه القصة البسيطة تلخص سيناريو استراتيجية التخويف التي تتبناها الكثير من البرامج الاجتماعية على عكس استراتيجية الجذب والاستمالة التي تتبناها حملات التسويق التجاري..
قبل أن نتكلم عن الجانب الأخلاقي لإعلانات التخويف.. من المهم أن نطرح سؤالاً مهماً حول مدى فعالية هذه الإعلانات في ظل الميزانية الكبيرة التي ترصد لها: هل أثرت هذه الإعلانات في الشاب بقدر تأثيرها في الأم؟ وهل هذا التأثير وقتي أم مستمر؟ هل هناك إحصائيات دقيقة لتقييم تأثير إعلانات التخويف التي تستهدف الشباب وقد تصل لفئة غير مستهدفة وتخلق عندها التوتر؟
لماذا نبتسم ونحن نشاهد إعلاناً تجارياً، ونتجهم عندما نشاهد اعلان اجتماعي؟ لماذا تصر البرامج الاجتماعية أن تقول لنا ما نفعله.. لا للتدخين.. لا للسرعة.. لا للسمنة، بينما تستخدم الإعلانات التجارية في المقابل أسلوب الجذب.. تسحرنا ثم تترك لنا القرار.. لم نر شركة تجارية تقول لنا: اشتروا هذا المنتج من السيارات أو الطعام أو السجائر وابتعدوا عن منافسيي!
ولكنها تجعلنا نشتري منتجاتها دون أن تقول.. كيف؟ لأنها تستخدم استراتيجيات محكمة تقوم على البحث والتخطيط والاتصال الإبداعي في التأثير على العقل الباطن باستخدام علم النفس.. كما أن استراتيجيات التخويف أصبحت مكررة وتفتقد إلى الإبداع والابتكار. فالتأثير في السلوك الاختياري هو الأساس في التسويق التجاري.. والدراسات أثبتت أننا نستطيع إحداث التغيير الفعلي عندما نبدأ بحاجات الجمهور وننظر له كشريك في التغيير لا كمجرد مفعول به في فعل التغيير.