أيها القارئ الكريم، في خاطري لك شي، ودي أقوله، مدري تصدقني أو تقول كذاب: اليوم الغلبة فيه للكذابين والمفبركين والمنافقين والمدلسين وصاحب البالين وبوجهين، وانظر من حولك «حتى يتبين لك الذين صدقوا وتعلم الكاذبين».
آه يا زمن غلاب متغلب، الغلبة فيه لـ «سمنون الكذاب»!!
ولمن لا يعرف من هو «سمنون الكذاب»، هو أبو الحسن سمنون بن حمزة الخواص، عاش في القرن الثالث الهجري ولقب بـ «سمنون المحبّ»، لأنه كان ينسج غزلياته وينظم شعره في محبة الله تعالى، وكان حين يناجي ربه يقول: «ليس لي في سواك حظ، فكيفما شئت فامتحني»، وحين يدعوه يقول: «يارب إن كنت معذبنى بعذاب في الآخرة فعجله لي في الدنيا»، فابتلاه المولى بعسر البول، فكان يطوف على الناس في الطرقات ويقول: «ادعوا لعمكم الكذّاب».
الكذب ليس قاصراً على رجال السياسة، فحسب، بل بات وباء يتطاير في الهواء، قد تصادفه في المقهى الذي تجلس فيه، أو النادي الذي تتردد عليه، أو في أماكن العمل، من أدعياء الفهم والمفهومية، فيما هم في واقع الحال، لا يملكون من مقومات المنصب سوى ثوب وبشت «ونفخة كذابة»!!
ما يعنيني في هذا المقال ليس هؤلاء، بل السياسيون في المقام الأول، وبالأخص من يتدثرون بعباءة الدين ويضعون العمامة وينتعلون خف الداعية ويشهرون راية الإصلاح.
نعم هو بعينه وبغباوته من أقصده، «التافه» مقتدى الصدر والذي بدأ يهدد شركاءه وحلفاءه في السلطة عبر اعتصامه في المنطقة الخضراء، وذلك بغية إشغال الرأي العام العالمي عن حقيقة ما تقوم به ميليشيات الحشد الشعبي الطائفية الصفوية، من اجتياح لمدن وقرى العراق الشمالية والغربية والمجازر التطهيرية المستمرة في الفلوجة، والتي تقف حكومة حيدر العبادي وأجهزتها أمامها عاجزة بالمطلق وبشكل فضائحي.
«ملحوظة: التافه ليست شتيمة بل هو لقب حصل عليه مقتدى الصدر كـ «أتفه شخصية في العالم» لعام 2011، في استفتاء أجرته Bensil press اللندنية».
الصدر يحاول الظهور أمام العراقيين بمظهر «سمنون المحبّ»، رغم أن تياره أحد المكونات الرئيسية في حكومة العبادي الفاشلة، وإن كان الاثنان في الظاهر مختلفين على إدارة الدولة وطبيعتها، إلا أنهما متفقان في توجههما الطائفي، وهو نفس التوجه الموجود لدينا هنا، وجعل جمعية «الوفاق» تدين في بيان لها تفجيرات «بروكسل» وتغض الطرف وتلزم الصمت حيال الجرائم الإنسانية التي ترتكب في الفلوجة، بحق شعب عربي مسلم لا ذنب له، سوى أنه من أهل السنة والجماعة.
وهنا بالمناسبة، أقف على أحد عيوب المرجعيات التابعة لـ «الولي الفقيه»، والتي تأتمر بأمر سيدها في قم، لتصحيح مفاهيم، يتمثل في حديثها باسم الشعب «انظر الي أدبياتهم وخطاباتهم الإعلامية»، فيما هي في الواقع لا تمثل إلا طائفة، ولا تتحدث إلا بلسان المذهب، ولا تنتصر إلا للدم الشيعي، لكن هناك استثناء، فليس كل شيعي موالياً لإيران.
فيا أيها الطائفيون البغيضون لا تتحدثوا باسم الشعب، ثكلتكم أمهاتكم جميعاً.
ولكن هل أبرح مقالي دون أن أكشف عما يحدث في الفلوجة، من قصف ليل نهار ببراميل الموت الصفوية المتفجرة، والحصار المفروض عليها من قبل ميليشيات الحشد الشعبي الشيعي ومرتزقة إيران، والذين لا يسمحون بمرور الطعام أو المساعدات الإنسانية أو حتى الأدوية لأكثر من مئة ألف، حتى باتت الأمراض تنهش في جسد سكان المدينة، ومن لم يمت منهم جوعاً مات بسبب المرض، ومن يدافع عن المدينة من المسؤولين والسياسيين، يتم حرمانه من رواتبه والتضييق عليه.
نسأل الله أن يكون في عون أشقائنا وأهالينا في العراق، وأن يبتلي مقتدى الصدر بما ابتلي به «سمنون الكذاب»، عسر في البول وتبول لا إرادي.