إذا كان لبعض الدول مواسم ثقافية تعرض فيها مسرحيات ونشاطات فنية وأخرى أدبية، فهذا هو موسم مسرحيات إيران. مسرحيات ليست كتلك المسرحيات التي نشاهدها على خشبات المسارح، فهي تأتي بإخراج ملالي الولي الفقيه وأبطالها دكاكينه وأعني بها الأحزاب والجماعات التي تتبع إيران، وباقي الممثلين فيها جموع الغوغاء وعبيد إيران بمختلف أشكالهم وصورهم، وقد تكتب نصوصها حسب الموقف وفي اللحظة، وما يجري اليوم في بغداد يدور في هذا الإطار، احتجاجات على الفساد والنهب والسرقة، وصراع على السلطة، فيظهر مقتدى الصدر ليجلس خلف المقود ليحرك هذه التظاهرات ويزيد من حدتها في الظاهر، معترضاً على الفساد ونهب المال العام والمحاصصة، منصباً نفسه ممثلاً عن الشعب العراقي، علماً بأن لديه أكثر من أربعين نائباً في البرلمان وستة وزراء فاسدين حالهم حال إخوانهم الآخرين من وزراء ونواب الاحتلال في ذلك البلد المنكوب، وعشرات من كبار المدراء وآلاف من أعضاء ميليشيا جيش المهدي التابعة له، والتي أصبح اسمها «سرايا السلام»، كثير منهم في الجيش والشرطة الآن، فهل يتظاهر على نفسه وكتلته وميليشياته؟! لطالما كان مقتدى الصدر وتياره صمام أمان إيران في العراق، تحركه لإنقاذ موقف ما بين فترة وأخرى وتعلل به الباحثون عن المرجعية العربية، فمن ينقم من السيستاني الإيراني تقدم له مقتدى الصدر العربي، وفي كل مرة يفشل مشروعاً تريد إيران إفشاله، لذا لا يمكن لعاقل أن يصدق ولو للحظة أن ما يجري عفوي وأن الصدر جاء باحثاً عن الإصلاح، فهل نسي العراقيون عمليات ميليشيا جيش المهدي التابع لمقتدى الصدر في العراق؟! والتي لعبت دوراً طائفياً قذراً بعد الاحتلال، وهل يمكن نسيان الآلاف من العرب السنة الذين تفننت هذه الميليشيا في قتلهم وتعذيبهم لتظهر فجأة بمظهر الوطنية والبحث عن الإصلاحات، وهل نسي الناس المتظاهرون في الحويجة والأنبار الذين قصفتهم الحكومة بالمدافع، وأحدثت فيهم المجازر مع أنهم خرجوا مطالبين بكرامتهم ولم يصلوا بغداد، ولم يهددوا حكومة الاحتلال الإيراني فيها، في المقابل فتحت أبواب المنطقة الخضراء لمقتدى الصدر وتقدم الضابط المسؤول عن حمايتها وهو برتبة فريق ركن، ليخر على يد مقتدى ويقبلها، أليس هذا كافياً ليعرف الناس حقيقة المسرحيات الإيرانية السمجة؟ ومع كل ذلك لا يمكن اعتبار ما يجري هو من باب إسكات الناس واحتواء الوضع فقط، فهناك صراع شيعي شيعي حقيقي في العراق، كل فصيل منهم يريد أن تكون له الغلبة والسيطرة على العراق بالكامل، وهناك خلاف عميق وحقيقي بين قادة أحزاب إيران ودكاكينها في العراق، ظهر هذا الخلاف وتطور بعدما تأكدت إيران وأتباعها في العراق أن المملكة العربية السعودية وقوى دولية أخرى عازمة على إحداث تغيير من شأنه إيقاف التمدد الإيراني في المنطقة العربية، فسارعت إيران لترتيب أوراقها في الداخل العراقي، والوضع الحالي لا يخرج عن هذا السياق.