بدأت منطقة الشرق الأوسط شيئاً فشيئاً تستوعب أن جماعة تنظيم الدولة «داعش» مهما نفذت من عمليات إرهابية، ففي مرحلة ما ستختفي، حالها حال أي منظمة إرهابية، كالقاعدة مثلاً، إلا أن ما قامت به «داعش» هو استغلال وسائل التواصل الاجتماعي للترويج لأهدافها ومساعيها وإغراء شباب الوطن العربي بالمزايا التي سيتمتع بها حال انضمامهم للتنظيم.
جماعة «داعش» ليست مجرد منظمة إرهابية فحسب، فجميع عملياتها التي تقوم بها مدروسة بحرفية عالية جداً، ولا يمكن تجاهل تنفيذها عمليات إرهابية بدول أوروبية تتمتع بمستوى عالٍ من الاحتياطات الأمنية والاستخباراتية، خاصة أن هذه الدول هي من تورد للدول العربية أجهزتها لمكافحة الإرهاب، فكيف استطاعت المنظمة الداعشية أن تنفذ تلك الاختراقات دون مساعدة أحد؟! وكيف تقوم بتلك العمليات بنفسها؟! أو ربما أن هناك دولاً تقف وراءها داعمة لجميع عملياتها الإرهابية!
الواقع يفرض علينا استبعاد جميع النظريات، سواء كانت نظريات المؤامرة أو نظريات النظام العالمي الجديد، وغيرها من النظريات التي تنخرط في هذا المجال، فمهما قامت «داعش» بتنفيذ تلك العمليات، فلاشك في أن هناك دولاً أسست هذه المنظمة كي تنفذ مجموعة من العمليات لتخضع ضمن منظومتها ولا تخرج عنها، حيث التفسير الوحيد لذلك هو أن «داعش» تنفذ عمليات مدفوعة التكاليف، لتكون سيطرة تلك الدول أكبر مما هو عليه الآن، والدليل على ذلك أين «داعش» عن إسرائيل؟!، فكيف لـ «داعش» وهي تدعي الإسلام ألا تدافع عن القضية الفلسطينية؟! وهل هناك فعلاً دول أوروبية تقوم بشراء النفط من «داعش» حسبما أوردت صحيفة Mediapart بداية شهر سبتمبر الماضي، حيث أثارت تصريحات لسفيرة الاتّحاد الأوروبي في العراق جانا هيباسكوفا ضجّة في بروكسل، إذ أكّدت أمام أعضاء لجنة الشؤون الخارجية في البرلمان الأوروبي أنّه «للأسف، بعض الدول الأعضاء في الاتّحاد الأوروبي يشترون هذا النفط»!
إذاً «داعش» مكشوفة لدى جميع دولنا، ونعلم أن هذه المنظمة مجرد ذراع لمجموعة من الدول لتنفيذ أجندتها، ولكن حينما سيأتي وقت القضاء على تلك المنظمة او اخفائها، فهل سنكون نحن مستعدون إلى مرحلة ما بعد «داعش»؟!
الحقيقة التي يجب أن تظهر هو أن تلك الجماعة الإرهابية حالياً تؤسس دولة جديدة في منطقة الشرق الأوسط سيكون جزء كبير من أراضيها بسوريا، خاصة أنها تتخذ من سوريا مقراً أساسياً لها وتملك الأموال الهائلة لصناعة البنية التحتية، وبحسب التقرير المنشور في موقع قناة العربية فإنه «من الصعب تحديد قيمة المداخيل التي تدرها تجارة النفط السوري على «داعش» بدقة، فالتقديرات تتحدث عن موارد تتراوح بين 1.2 إلى 3 ملايين دولار يومياً».
إذاً بدا واضحاً أن «داعش» ستتحول من منظمة إلى دولة جديدة ذات إمكانيات عالية، وقوة عسكرية مدعومة من أطراف عدة وتحمل في باطنها مجموعة من الأهداف من أجل إبقاء العالم كما هو من دون تغيير للقوى المتحكمة فيه.
خلاصة القول، إن هناك محللين وسياسيين وقادة دول يقومون بجهود لوقف هذا الهدف من إنشاء دولة جديدة بالشرق الأوسط، ولكن حينما ستقرر الدول التي أسست «داعش» أن تختفي عن الخارطة، فسيكون لها دولة، وستكون ذراعاً قوياً للدول التي أنشأتها، وبالتالي كلما أسرعنا في حربنا على «داعش» سيعطي الأمل بأن نجعل رؤية تأسيس الدولة أمراً مستبعداً، فكل يوم تتأخر دولنا العربية عن القيام بالعمليات العسكرية ضد التنظيم ستكون السيطرة مفقودة أكثر مما هي عليه الآن، وحينها هل سنكون مستعدين لمرحلة ما بعد «داعش»؟!