العرف السائد، بناء على السرد التاريخي يقول إن غالبية قصص النجاح لأشخاص حصلت بعد سنوات عمل واجتهاد طويلة، مع ظروف حياتية متباينة.
ولو رصدنا قصص الابتكارات والاكتشافات وحتى بناء إمبراطوريات تجارية أو التميز في مجالات إنسانية أو علمية مختلفة أو مشاريع ناجحة فارقة، لوجدنا أن غالبية الشخصيات التي قادت هذه الأعمال وحققت الإنجازات في سن يتعدى الأربعين وحتى الخمسين!
لكن هذه المسألة لم تعد القاعدة السائدة، لا في زمننا الحالي طبعاً، ولم تكن تعميماً شاملاً حتى في الماضي في ظل وجود طفرات وحالات استثنائية لمبدعين شباب صنعوا ثورات مختلفة في أزمنتهم وفي مجالات مختلفة.
هذا الاستثناء هو ما يحاول مؤتمر الشباب الدولي الثامن الذي ينطلق اليوم في مملكة البحرين إثباته.
المؤتمر يأتي تحت عنوان «النجاح قبل الثلاثين» وهو تحت رعاية سمو الشيخ الشاب ناصر بن حمد آل خليفة نجل جلالة الملك حفظه الله، ممثل جلالة الملك للأعمال الخيرية وشؤون الشباب ورئيس المجلس الأعلى للشباب والرياضة.
المؤتمر يأتي بتنظيم وزارة الشباب والرياضة والأخيرة تمضي لتتميز بشكل لافت في مشاريعها وبرامجها وأفكارها الجميلة المتعلقة بخدمة شباب البحرين وتمكينهم وتطويرهم، انطلاقاً من الجانب الرياضي وحتى الثقافي والاجتماعي.
العنوان بحد ذاته «النجاح قبل الثلاثين» يمثل تحدياً، وقد يراه البعض هدفاً صعب التحقق، لكن الجميل في المؤتمر أنه سيعرض تجارب متعددة لشباب من حول العالم يتحدثون فيها حول قصص النجاح التي حققوها في سن صغيرة، وكيف أنهم استثمروا طاقاتهم وإصرارهم وعزيمتهم ووظفوها وفق الظروف المحيطة بهم، وبناء على المعطيات المتاحة.
المؤتمر يشارك فيه أكثر من 1600 شاب يمثلون 32 دولة حول العالم، ما يجعله من ضمن المؤتمرات الضخمة التي تستضيفها مملكة البحرين، لكنني أراه مؤتمراً ذا قيمة عالية، خاصة وأنه يتعلق بشريحة تعد بالنسبة لنا في البحرين هي العنصر الغالب المشكل للمجتمع، وهي التي تمثل لنا امتداد الأجيال لبناء المستقبل، وعليه فإن النجاعة اليوم في إقامة الفعاليات تكون مبنية على مدى ارتباطها بواقعنا والحاجة الماسة لنا بناء على مخرجاتها وما تشهده من نقاشات ثرية.
سمو الشيخ ناصر بن حمد والذي يرى فيه كثير من شباب البحرين نموذجاً حياً على نجاح الشباب وتفوقهم وتميزهم، سيلقي كلمة الافتتاح والتي سيركز فيها على السبل والطرق التي تمكن الشباب من النجاح وتحقيق أهدافهم وأحلامهم، مع التشديد على مسألة مهمة جداً تتمثل بأنه «لا شيء مستحيلاً»، بالأخص أمام الشباب الذين بإمكانهم بالتفاؤل والأمل والعمل أن يحدثوا الفارق.
وستكون فرصة جميلة للشباب المشارك في المؤتمر للاطلاع على مثال حي صارخ في هذا الجانب من خلال وجود الأمريكي تود هيوستن الذي سيحكي تجربته مع التحدي، خاصة وأنه الشاب الذي فقد إحدى ساقيه في عمر السادسة عشرة، ورغم ذلك لم تمنعه الإعاقة من تحدي واقعه، والوصول لمستوى اعتباره ضمن أكثر عشرة شباب لهم تأثير في الولايات المتحدة الأمريكية.
هنا أدرك تماماً بناء على قراءة لواقعنا في مجتمعنا، ومن خلال رصد للمزاج العام للشباب البحريني، بأن هناك من يستصعب تحقيق النجاح الشخصي والوصول لمستوى التميز الشخصي، واضعاً أمامه عراقيل عديدة لا تنتهي، بل يغرق نفسه بالمقارنات مع الآخرين سواء في الداخل أو الخارج من ناحية الإمكانيات والظروف المهيأة وطبيعة الدول والمجتمعات، وطبعاً الفرص المتاحة.
ما تقوله هذه الشريحة التي يبدو غالباً عليها نبرة اليأس والإحباط، فيه كثير من الواقعية، وهذا لا يمكن نكرانه أو تغييبه أو تجميله، لكن رغم ذلك، فإن هذه الحالة لها علاج، لا علاقة له البتة بالمال أو الإمكانيات أو الفرص، أول مراحله تكمن في الشخص نفسه، في قناعته بنفسه وقدراته، وقبلها في حقيقة التحدي الذي يضعه أمامه، وهنا المعادلة الثابتة تقول إنك لو كنت إيجابياً في كل شيء، في ممارسة حياتك في عملك ومعاملاتك فإن الإيجابية ستجد طريقاً لتنور مسيرتك، بل تدفعك للابتكار والإبداع، والعكس صحيح السلبية هي من تحول الشخص لصفر على الشمال، وتحكم عليه بأن يكون مجرد رقم بين البشر.
تحدي الشباب اليوم يتمثل بأن يكونوا رقماً صعباً، أن يكونوا مصدر تحقيق للنجاح والإبداع والتميز في ظل ظروف عالمية صعبة وعصيبة، أن يقهروا المستحيل ويثبتوا أنه لا شيء مستحيلاً أصلاً، فها هي قصص نجاح عديدة بدأت صغيرة كأفكار وأحلام وطموحات، لكنها كبرت من خلال إصرار أصحابهم وتحديهم والمضي في طريق صعب وعر، فما المانع أن يكون هدفك الذي تضعه اليوم هو «النجاح قبل الثلاثين»، وحتى بعدها؟! المهم أن تكون إيجابياً راغباً في صناعة النجاح.
المؤتمر الذي سيفتتح اليوم في جامعة البحرين، أراه فرصة ثمينة للشباب الطموح بأن يقفوا ويصرخوا ويثبتوا وجودهم، وأن يبرهنوا على أنهم أساس التغيير وصناعة ثورات النجاح، فلا شيء مستحيلاً إن وجد الإصرار والتحدي والرغبة في النجاح.