يعاودني احتباس الكتابة، من حيث لا أدري، تكثر الأفكار في ذهني، لكنها تتطاير من أمامي، أقفز من هنا وهناك أصارع تيهي، لكن يصعب علي الإمساك بها أو تدوينها، حاولت مراراً وتكراراً، رجعت بظهري إلى الكرسي، انزويت في ركن المكتب، ولكن دون جدوى، قاطعني الساعي لحظة إحضار فنجان القهوة الصباحية المفضلة، فزاد من معاناتي، سألني: هل تريد أن تأكل شيئاً؟ لم ألتفت ولم أجبه، ومنذ متى أتناول شيئاً من الأكل مع فنجان القهوة؟ في نهاية المطاف، قررت الخروج عن الصياغة التقليدية للكتابة، لن أكتب في السياسة، سأتناول أمراً آخر في الكتابة.. ممممممم، سأكتب عن المتملقين المتخفين خلف مثالية زائفة، ما رأيك؟! هل صادفت أحداً منهم عزيزي القارئ؟ لا أدري إذا كان من المفيد لأي كان، سواء كان مواطناً، موظفاً أو مسؤولاً «كلاً حسب موقعه» التملق أو التزلّف أوالمداهنة من أجل تحقيق مكاسب شخصية، أم لا، وهل يجوز ذلك شرعاً؟ قبل أن نجيب عن السؤال فنقول يجوز أو لا يجوز، دعنا نقف على تعريف التملق، جاء في «لسان العرب»: «الإمْلاق يعني الإفساد، والمَلِق الذي يَعِدكَ ويُخْلِفك»، كما قال عنه «القرطبي»: «ورجل مَلِق: يعطي بلسانه ما ليس في قلبه». المتملقون، المداحون أو المطبلون «كل حسب ميوله» هم بطانة السوء والخطر الكبير الذي يواجه الساسة، وهم أسوأ بطانة يمكن أن يتخذها المسؤول أو حتى الحاكم، وهم من يدفعون وزراء وحكومات وحتى أنظمة إلى الهاوية. كالفئران، يقفزون من مركب إلى مركب، فمسؤوله الذي كان يتمسح به بالأمس طالباً منه الرضا، يتحول إلى إرث بائد، بمجرد أن يغادر الكرسي، ويخلفه على الكرسي مسؤول آخر، ولا بد من إقناع سيده الجديد بأن الحب ليس «للحبيب الأول»!! شرعاً وحسب فهمي المتواضع للدين، لا يجوز أن تنحرف بأخلاقك الحميدة وفطرة الله، من أجل كسب المال وتحصيل الجاه. وفي زمن بدأت فيه «الدنيا زي المرجيحة يوم تحت وفوق»، يميل الإنسان بطبعه لسماع وصلات الإطراء والمديح ممن حوله، وقد يسعده أن يسمع «البعض»، وهو يضفي عليه صفات قد لا تكون فيه، أولئك «البعض» ممن تم العبث بوتر كرامتهم، لديهم القدرة على الإطراء الكاذب، والمديح المتزندق، دينهم المصلحة، ولا شيء غير المصلحة، ولم أكن أحسب أن ابن خلدون، مؤسس علم الاجتماع، كان أستاذاً متخصصاً أيضاً في علم التملُّق، فقد جاء بحديثه عنهم في «مقدمته» حيث قال: «نجد الكثير ممن يتخلق بالترفع والشمم لا يحصل لهم غرض الجاه فيقتصرون في التكسب على أعمالهم ويصيرون إلى الفقر والخصاصة»، وعلى هذه القاعدة قال ابن خلدون مقولته الشهيرة: «فاز المتملقون». للأسف لا يتسع المقام هنا لكي أذكر لك مسؤولين وقعوا في مصيدة التملق، وأصبحوا الآن في خبر كان، وقد لا أملك من الشجاعة ما يكفي – في الوقت الحالي – لذكر أسماء المتسببين «المتملقين» في سقوط هؤلاء المسؤولين، أو قد أجد حرجاً في ذلك، والله يكفيك يا عزيزي شر المتملقين والمسترزقين والمتسلقين والمتلونين واللي ما قالوا آمين. هذا، وعلى الله قصد السبيل ومنها جائر، ولو شاء لهداكم أجمعين.