صراع الهويات ليس جديداً، بل هو صراع قديم لا ينظر إليه على أنه صراع محلي، ولكنه في الحقيقة صراع يمكن النظر إليه في المناطق وتقسيماتها وتحولها تدريجياً إلى كنتونات مغلقة، وفي رفض المواطنين الاختلاط في مناطق سكنية مع المواطنين الآخرين بسبب اختلاف الأصول والهويات الفرعية.
لم يبذل المواطنون أدنى جهد من أجل تشكيل الهوية الوطنية الجامعة، والدولة كذلك لم تبذل الجهود المطلوبة منها، فعلى سبيل المثال مناهجنا التعليمية في المدارس مازالت تعلم الأطفال أن الحكومة مسؤولة عن توفير كافة الخدمات الأساسية من كهرباء ومياه وتعليم ووظائف.. إلخ، وذلك يتم في وقت تتحول فيه الدولة من النظام الريعي إلى ما بعد النظام الريعي. عليه فإننا لا نتوقع أن تنتهي ثقافة الريع إلا بعد جيل كامل من البحرينيين الذين لن يتعرضوا للمناهج التعليمية الحالية في المدارس إن تغيرت مثل هذه المناهج أصلاً.
التنافس المتوقع أن يبدأ بشكل بارز قريباً حول المكتسبات أو الخدمات الحكومية سيتحول لاحقاً إلى تنافس حول النفوذ السياسي، وستكون الهويات الفرعية أطراف هذا الصراع المدمر.
لدينا العديد من المشاريع الإسكانية من الواضح أن معيار الهوية الوطنية غير وارد في سياساتنا الإسكانية السابقة أو الحالية. فتوزيع المشاريع يتم وفقاً لمعيار القرب المكاني، بمعنى أن أهالي المحرق هم الأولى بمشاريع منطقتهم الإسكانية. كذلك هي الحال بالنسبة لأهالي الدراز لتكون النتيجة إنشاء كنتونات قائمة على الهويات الفرعية رسمياً وبجهد حكومي يكلفها مئات الملايين من الدنانير سنوياً. هذا جانب آخر يعكس قصور الدولة في بناء الهوية الوطنية الجامعة، وفتح المجال أمام الهويات الفرعية لتتصارع وتكون تهديداً للأمن الوطني مستقبلاً.
مخاطر صراع الهويات ليس في وجود عدد كبير من الهويات نفسها، بل المخاطر تكمن في تحول الهوية إلى تنظيم سياسي لاحقاً يمكن أن يمارس نشاطاً راديكالياً ضد الدولة أو المجتمع.
الحاجة باتت ملحة ليس لإنهاء الهويات الفرعية، وإنما إضعافها والعمل على تشكيل هوية وطنية أكبر تكون غير مهملة من الحكومة، ولا يتم التلاعب بها من السياسيين، أو تكريس نزعاتها المذهبية من قبل رجال الدين.
إذا لم يتم العمل منذ الآن على تعزيز الهوية الوطنية وإضعاف الهويات الفرعية وضمان انسجامها بتعايش داخل المجتمع، فإن تهديداً سيأتي بعد أقل من عشر سنوات.