تناولت في المقال السابق المزاج الانعزالي في أمريكا، بالإضافة لعدم وضوح الرؤية لماهية المصلحة الوطنية في ذهن المواطن الأمريكي، مما يؤدي إلى تقلب في المواقف الأمريكية. وهنا يجب الإشارة إلى أن عدم وضوح فكرة المصلحة العامة يفتح المجال للوبيات والقوى الداخلية للتأثير في السياسة الخارجية. فتقوم تلك الجماعات بتأطير المصلحة العامة بما يتوافق مع مصلحتها الخاصة.
ففي حالة العراق قامت مجموعات مناصرة لإسرائيل بتصوير أن مصلحة أمريكا الوطنية تقتضي سقوط العراق. وحسب تعليلها أن عقب سقوط العراق سيسقط النظام تلقائياً في كل من إيران وسوريا وقد روجت لهذه الفكرة ورقة «القطيعة النظيفة»، التي قام بوضعها المحافظون الجدد. وقد قام هؤلاء بالضغط على صناع القرار الأمريكي كما استخدموا الإعلام لإقناع الرأي العام بضرورة مهاجمة العراق، وهنا استحضروا فاجعة حلبجة التي قام من خلالها صدام باستعمال الأسلحة الكيماوية ضد الأكراد، وطرحوا مزاعم أن العراق يمتلك أسلحة دمار شامل. كما طرحوا فكرة أن الغزو سيحرك الاقتصاد، لأن إعادة بناء العراق ستكون من عائدات النفط. ولكن النتيجة كانت أن الحرب كلفت دافع الضرائب الأمريكي بين عامي 2003 و2010 ما يقارب 1.1 تريليون دولار حسب تقرير قدمته جامعة براون. الحرب لم تؤد إلى سقوط النظام في إيران كما توقع المحافظون الجدد، بالعكس أدت إلى تقوية النظام الإيراني. فمن حيث لا تشاء قدمت أمريكا العراق على طبق من ذهب لإيران. وفي حالة أخرى، أثرت القوى الداخلية في توجيه السياسة الخارجية لأمريكا ومهدت للانفتاح على إيران، ولعقد المعاهدة النووية. فهناك عاملان أديا إلى الانفتاح على إيران، أولهما أنه بعد سقوط العراق وبعد تدخلات إيران في المنطقة رأت أمريكا أن إيران فاعل أساس ولها قوة على الأرض ولا يمكن تجاهلها. ومن جهة أخرى عمل اللوبي الإيراني على الترويج لمزاعم أن التطرف المؤذي للغرب هو التطرف السني لذلك لابد من التعاون مع إيران «الشيعية» للقضاء عليه. ويظهر ذلك في رسالة سرية وجهها الرئيس الأمريكي باراك أوباما إلى المرشد الأعلى في إيران علي خامنئي طلب منه عقب المعاهدة النووية التعاون لمحاربة تنظيم الدولة «داعش». وهنا يجب أن نتساءل، أين القوى المناصرة للعرب داخل أمريكا حتى تساعد في تأطير السياسة الخارجية بشكل متعاطف معهم؟ في الحقيقة، ليست هناك قوى داخلية في أمريكا مناصرة للعرب والسبب الأساس أن الدول العربية وبينها دول الخليج لم تر أنها بحاجة لدعم داخلي وذلك لأنها تملك ثروة حيوية بالنسبة لأمريكا، ألا وهي النفط. فطالما أمريكا بحاجة للنفط سيظل الخليج مصدر النفط حليفها وستقوم بحمايته والحفاظ على مصالحه. ولكن التاريخ يعلمنا أن الظروف الجيوسياسية تتغير، فمن كان يقول إن الاتحاد السوفيتي سيسقط مثلاً؟ واليوم العوامل الجيوسياسية التي كانت أساس تحالف أمريكا مع الخليج أصبحت غير موجودة، فلم يعد للنفط الأهمية الاستراتيجية التي كانت له من قبل كما لم تعد أمريكا بحاجة للخليج لتحجيم إيران، فالعدوان اللدودان أضحيا حليفين ولذلك اليوم إن أراد العرب التأثير على أمريكا عليهم أخذ مسلكين أولهما كما برهنت إيران إن لها قوة على الأرض في المنطقة، على العرب إثبات الأمر نفسه، وعليهم حشد الدعم لهم داخلياً في أمريكا حتى يسمع «العم سام» صوتهم.