يتحدث عدد ليس بالقليل من كبار السن، أو الذين عاصروا حقبة الاستعمار البريطاني في البحرين ودول الخليج العربية عن تلك الفترة المهمة تاريخياً بكثير من الحسرة والألم، رغم قناعتهم بأنها فترة استعمار واستلاب سيادة الشعوب ومجتمعاتها.
الحسرة على حقبة الهيمنة البريطانية لم تأت من فراغ، بل جاءت نتيجة للظروف الإقليمية التي قادت لهذه الحسرة، ونتيجة أيضاً للأوضاع الداخلية التي اختلفت عما كانت عليه سابقاً.
لا أعتقد أن قدر الخليجيين أن تهيمن عليهم قوة أجنبية عظمى أو كبرى، بل قدرهم الاستراتيجي أن يبدؤوا في بناء قوتهم السياسية للمستقبل الذي يتطلعون إليه، وليس للمستقبل الذي يسعى الآخرون لتكوينه لهم.
خلال أقل من أسبوع ظهر مقطع متلفز انتشر سريعاً عبر شبكات التواصل الاجتماعي يظهر فيه القنصل الأمريكي في العراق يزور جرحى الحشد الشعبي في مدينة البصرة، ويشيد فيه باعتزاز الشعب الأمريكي والإيراني بجهودهم!
بعدها فجر الرئيس الأمريكي باراك أوباما مفاجآته مع اقتراب نهاية ولايته الرئاسية بالحديث بشكل مسيء حول العرب والخليجيين خصوصاً، إضافة إلى إساءاته الواضحة للإسلام الذي طلب منه أن يتصالح مع نفسه!
من الواضح أن الإدارات الأمريكية المتعاقبة مازالت تعاني من عدم القدرة على فهم منطقة الخليج العربي والشرق الأوسط، وبالتالي تواصل سياساتها وتخبطاتها أكثر فأكثر.
نفوذ الولايات المتحدة آخذ بالتراجع، وهي مسألة وقت حتى نشهد الفراغ السياسي في الشرق الأوسط، حينها سنشاهد الفرق الكبير بين التعامل البريطاني مع المنطقة، وسنتمكن من مقارنته بموضوعية مع التعامل الأمريكي.
حتى تحين تلك اللحظة، يمكننا القول إن الفرق الأساس بين التعامل البريطاني ونظيره الأمريكي إبان الانسحابات التاريخية، أن البريطانيين احترموا شعوب دول الخليج بمختلف مكوناتها والعائلات المالكة فيها، ولذلك صارت العلاقات الخليجية-البريطانية مستقرة لفترة طويلة جداً. أما التعامل الأمريكي فإنه لا يقوم على الاحترام نهائياً، فلا احترام لدولنا الخليجية، أو احترام لشعوب الخليج بمختلف مكوناتها، وكذلك العائلات المالكة أيضاً. لم تكتف واشنطن بذلك بل أثارت الفوضى وعدم الاستقرار بالتحالف مع جماعات ثيوقراطية راديكالية، وسعت نحو خلق المزيد من الفتن الطائفية لتكون المنطقة جحيماً حقيقياً.
لذلك صارت العلاقات الخليجية-الأمريكية غير مستقرة ومتعددة الأزمات، وهي تمر الآن بأصعب مراحلها بمزيد من التباعد غير المعروفة نهايته.
الحسرة على لندن، والقهر على واشنطن هي فعلاً حال الخليجيين اليوم بعد أن قارنوا التعامل مع كل انسحاب من المنطقة.