خلال سنوات التحصيل الحياتي في أواخر الستينات، قرأت مقطعاً شعرياً جميلاً يقول: «إن حلاوة الإيمان
تذيب مرارة الحنظل»، من إحدى رباعيات الشاعر الكبير الراحل محمود درويش، ومنذ ذلك الحين وأنا أردد هذا المقطع، كجزء من محاولاتي اليومية لتخطي كل ما يمكن أن يخرب ما يبهج حياتي، أو لتخطي كل الظروف التي من الممكن أن يواجهها أي إنسان، وهو يحاول التعلم يومياً خلال اليوم المعاش.
يقول العارفون بالعلم إن الإيمان لغةً هو التصديق، واصطلاحاً هو قولٌ باللسان وتصديق بالجوارح، أي أن أعمال الجوارح تكون انعكاساً لما يقوله اللسان وليس عكسه ولا يتضارب معه.
معنى ذلك أنك حينما تصل إلى حلاوة الإيمان تعيش حياة أخرى، تكون شخصية أخرى، تتمتع بقرب من الله، ومع القرب سعادة، تتمتع بتوازن نفسي، تتمتع بقوة، تتمتع بشجاعة، تتمتع بعزة، تتمتع بنظرة مبدئية، لا تحابي، ولا تماري، ولا تجاري، حينما تذوق حلاوة الإيمان تعلم علم اليقين أنه من سابع المستحيلات أن تفرط بهذه الحلاوة من أجل شهوة طارئة، فلذلك الإنسان يتألق بحلاوة الإيمان، يتألق بحلاوة الإيمان التي تملأ قلبه سعادة، فرق كبير بين أن تعيش حلاوة الإيمان وبين أن تذوق حلاوة الإيمان، بين أن تدرك معنى الإيمان فقط، وبين أن تذوق حلاوة الإيمان.
الإيمان إذن يحمل قوانينه الخاصة ليكون كما تريد أن يكون لك في حياتك وبين أهلك وأصحابك وفي مجتمعك وفي الكرة الأرضية كلها.
ومن أهم هذه القوانين قانون التوقع والذي هو نموذج مصغر وتعبير حقيقي عن مقولة «تفاءلوا بالخير تجدوه»، أي أن الخير موجود دائماً، بل أكثر مما نتصور، ولكن علينا أن نتوقعه، وبالتالي سنراه، وهذا يذكرني بأحد الكتب الجميلة للمفكر الروحاني الراحل واين داير في كتابه «سوف تراه عندما تؤمن به»، وهو الكتاب الأول الذي عثرت عليه، ومن ثم بدأت بمتابعة ما يترجم للكاتب باللغة العربية.
إذا عرفنا أن الإنسان يشبه الكرة الأرضية، يملك كل معادنها، ويملك طبيعة حركتها، ويملك نفس الماء الذي يحيا فيها، سنعرف أن كل ما نتوقعه برغبة، كل شيء سنراه أمامنا في يوم من أيام العالم، سواء ما نتوقعه خيراً أو شراً، وما ينطبق على الإنسان ينطبق على المجتمعات، فإذا كان المجتمع يعيش حالة من حالات الذعر، أو العنف، أو الأزمة الاقتصادية والخوف من الآتي، فإن هذا سوف يأتي، لسبب بسيط هو أن ما نفكر فيه، حتى لو كنا محصورين وبعيدين عن الآخرين، فإن هذه الأفكار ستنتقل في الهواء، على شكل موجات، تصل إلى أبعد الحدود والعكس صحيح.
إن إيمان الإنسان بربه إيماناً مطلقاً، وبقيمته وعظمته وقدرته على صناعة الأجمل والأروع والأفضل، هو ما يجعله قادراً على الإبداع في كل المجالات، وزراعة الأفضل وإعمار الأرض.
الإيمان طاقة هائلة من استطاع أن يملكها لا يستطيع أي شيء أن يوقفه عن تحويل كل سلبي إلى إيجابي، وما هو يمشي ضده إلى أن يكون معه، حتى لو كان هذا الضد هو الريح.
الإيمان ليس عن طريق الشفتين أو من أجل أن يعرف الآخرون أنك مؤمن، الإيمان ممارسة داخلية، خاصة بك، يومياً، بالضبط كما هي حركة النبضات في القلب.
أن تكون مؤمناً أن تقول دائماً وأبداً: الحمد لله على نعم الله، الحمد لله في النصر والهزيمة، الحمد في الخير والشر، الحمد لله في الصحة والمرض، الحمد لله في الفقر والغنى.