تشكل التنمية المؤسسية جانباً مهماً من عملية التخطيط التنموي. فقد أولى حضرة صاحب الجلالة عاهل البلاد المفدى حفظه الله ورعاه اهتماماً كبيراً بهذا الجانب منذ أن كان جلالته ولياً للعهد، حيث كان رعاه الله يؤمن بأهمية وجود المؤسسات التي تعزز نهضة البلاد وترتقي بأبنائها خاصةً الشباب من خلال قيام أبناء البلد بتسيير المؤسسات المتعددة. وقد قادت تلك الرؤية الحكيمة إلى إنشاء عددٍ من المؤسسات والتنظيمات الإدارية المهمة في عهد المغفور له صاحب العظمة الشيخ عيسى بن سلمان آل خليفة طيب الله ثراه الذي تمر ذكرى رحيله هذه الأيام، ومن بين تلك المؤسسات قوة دفاع البحرين والمجلس الأعلى للشباب والرياضة ومركز البحرين للدراسات والبحوث. وتعد هذه الإنجازات المحرك الأساسي للمشروع الإصلاحي لجلالة الملك حفظه الله. وقد أخذ تطوير الأداء المؤسسي حيزاً مهماً في المشروع الإصلاحي، لكن استمرارية تطوير الأداء على هذا النحو تتطلب تغييراً في الممارسات والثقافات لدى الأفراد والمؤسسات. وبالرغم من الجهود المبذولة في هذا الشأن، إلا أنه لا تزال هناك ممارسات تعيق تطوير الأداء المؤسسي. وسوف نتناول بعض تلك الممارسات على سبيل المثال لا الحصر. فعلى سبيل المثال، يتوجس البعض من تزويد الآخرين بالمعلومات التي تلقوها، علماً بأن الاستيعاب والتطبيق يختلف من شخصٍ إلى آخر. كما أن هؤلاء الأشخاص لا يدركون بأنهم قطعوا شوطاً كبيراً في كسب الخبرة. وهناك مسؤولون ينتهجون سياسة تضييق وتهميش ضد بعض الموظفين - خاصةً المتميزين منهم - فيحاولون عبثاً أن يقتلوا فيهم روح الإبداع وروح التفاني. ولا يمكن تفعيل استراتيجية العمل الجماعي ما لم يتخلَ بعض الموظفين عن أنانيتهم، وأن لا يعملوا بمعزلٍ عن زملائهم. ففريق العمل يضم عناصر مختلفة من حيث الخبرات والقدرات، حيث إن تبادل الخبرات وإحياء مبدأ المنافسة الشريفة يسهم في إنجاز العمل على أكمل وجه. وهذا ينطبق على العلاقة بين الإدارات والأقسام في المؤسسة الواحدة وكذلك العلاقة بين المؤسسة ونظيراتها. ومن أبرز صور التخلف الفكري والإداري أن يحوم الإنسان حول المشكلة دون أن يلتفت إلى جذورها ثم يتوهم بأنه قد وجد الحل. فهذه الممارسة تحديداً تحدث شرخاً في المنظومة المجتمعية والمؤسسية. ومن المهم أن تكون هناك نقلة بالنسبة للموظف كل ثلاث إلى خمس سنوات لضمان أعلى مستوى من الإنتاجية واكتساب مزيدٍ من الخبرة. وليس من الضروري أن تكون النقلة عبارة عن عملية انتقالٍ من مؤسسة إلى أخرى، فقد تكون النقلة داخل المؤسسة ذاتها. والتدوير في الوظائف مفيداً إذا روعيت حالات عدة من بينها: 1- إذا كان الهدف هو التنقل بين الأقسام في بداية المسيرة المهنية قبل أن يتخصص الموظف في مجالٍ معين. 2- إذا كانت المؤسسة حديثة النشأة وبحاجة إلى خبرات ومهارات معينة. 3- إذا كان الأداء العام للمؤسسة ضعيف وبحاجة إلى من يعمل على ارتقائها إلى المستوى المطلوب. أنا لست ضد الاستعانة بالمستشارين والخبراء الأجانب، ولكني لست مع فكرة استقطابهم دون دراسة أو تحديد حاجات المؤسسات. وعليه يجب أن يكون الهدف من استقطاب هؤلاء الخبراء هو الاستعانة بهم في ظل عدم وجود أصحاب المهارات المطلوبة من أبناء البلد، والقيام بتدريب الكوادر الوطنية والإشراف عليها ضمن خطة زمنية. نتمنى أن تكون هناك حملة إعلامية لتوعية الجمهور حول تطوير الأداء المؤسسي وكل ما يتصل به، وذلك من خلال وسائل الإعلام المختلفة.