الصراعات المعقدة التي تشهدها منطقة الشرق الأوسط، باتت حرباً لتقاسم النفوذ السياسي، والمواجهات العسكرية والاقتصادية والإعلامية التي تشهدها مجرد إستراتيجيات لتحقيق تقاسم النفوذ والسيطرة لبعض القوى الإقليمية، وهي استراتيجيات للبقاء لدى البعض الآخر.
حالة الفوضى الإقليمية هي التي قادت لهذه الحالة، وهي التي تدفع الحكومات نحو حسم خياراتها سواءً بالتحالف مع القوى الإقليمية التي تسعى لاقتسام النفوذ والسيطرة في المنطقة، أو أن تبقى لوحدها وتصارع من أجل البقاء لأطول فترة ممكنة.
والحديث هنا سيتركز على استراتيجيات تقاسم النفوذ والسيطرة التي باتت هي الأكثر وضوحاً نظراً لوضوح تفاعلاتها وإمكانية متابعتها.
الصراع على النفوذ السياسي في الشرق الأوسط أخذ شكلين، الأول شكل صامت والآخر متحرك، ففي النمط الأول توجد المواجهات العسكرية والسياسية والإعلامية ولكنها غير معلنة وقد تتم عبر وسطاء أو طرف ثالث كما هو الحال بالنسبة لإسرائيل، أما نمط الصراع على النفوذ السياسي المتحرك، فإن مواجهاتها تتسم بالعلنية كما هو الحال بالنسبة لإيران.
وبين هذين النمطين يصبح الخيار صعباً على من يدخل في إطار المنافسة الإقليمية، إذ عليه أن يختار بينهما ليحقق هدفه الاستراتيجي باكتساب المزيد من النفوذ السياسي أو الحفاظ على نفوذه القائم.
والسؤال هنا، ما هي الطريقة الأنسب للتعامل مع صراع النفوذ السياسي؟
الأنسب في تصوري هو اتباع النمطين طبقاً لتعامل الخصوم، بمعنى أن من اختار صراعاً صامتاً فيمكن مواجهته بنفس النمط، أما من اختار صراعاً متحركاً فيجب مواجهته بنفس النمط أيضاً.
وأعتقد أن دول مجلس التعاون الخليجي بقيادة السعودية أدركت جيداً طريقة التعامل والاختلاف في النمطين، ولكن الانقسام الداخلي في المواقف والمصالح الخليجية قد يحول دون التركيز على هذين النمطين، ولذلك يجب حسم حالة الانقسام هذه سريعاً بشكل إيجابي أو سلبي، فالظروف الإقليمية لا تتحمل مثل هذا الانقسام، بل ستؤثر كثيراً في صراع النفوذ القائم في الشرق الأوسط، وهو صراع إذا ابتعدت عنه دول مجلس التعاون فإنها ستكون الخاسر الأكبر، وستتحول من دول تتنافس على النفوذ السياسي إلى دول اختارت البقاء هدفاً لا أكثر. وفرق كبير بين الخيارين، لأن الأخير يعني أنها بداية النهاية ليس لتغيير الشرق الأوسط بل لتغيير الخليج العربي، ولا أعتقد أن حكومات دول المجلس تنظر لهذا الخيار استراتيجياً.