ها قد جمعت أمريكا وزبانيتها كل سحار عليم لميقات الانتخابات الإيرانية، ولونت بسحرها تغطياتها الإعلامية للحدث، في تصوير حلم الديمقراطية الوردي شمساً أشرقت أخيراً على أراضي الفرس، كيف لا.. وحفيد الخميني بجلاله قد خرج من اللعبة صفر اليدين!! أليست مجلة «ذي ناشونال إنترست» الأمريكية مُحقة عندما أشارت إلى «الهزيمة الساحقة التي تلقتها «الدولة العميقة» المتمثلة في الشبكات السرية وشبه السرية من ضباط في الأمن والمخابرات أو وكلاء في الحكومة التي يسيطر عليها المرشد الأعلى بشكل مباشر»؟!!
وعندما خصوصاً تقول صحيفة أخرى «لقد كشفت الانتخابات عن أن الإصلاحيين أثبتوا مرونتهم وصعوبة محوهم من الخارطة السياسية، وذلك على الرغم من القمع الشديد الذي تعرضوا له وأن المجتمع المدني الإيراني يتمتع بالقوة ويضم شعباً متعلماً أثبت تطوره ونضجه السياسي»!!
لقد سعى الغرب من خلال التغطيات الساخنة التي قام بها للانتخابات الإيرانية إلى إقناع الرأي العام الدولي أن «المحافظين» الذين يشكلون حجر العثرة في العلاقات مع إيران قد أزيحوا أخيراً، وأننا في عهد الإصلاحيين والبراغماتيين، وفي ذلك رسالة غير مباشرة تقول «مرحباً إيران إلى أحضان الغرب والمجتمع الدولي». إنها مصافحة غربية لإيران عبر طريق ملتوية عنوانها الانتخابات الديمقراطية، وذلك من خلال تغيير الصورة النمطية وقولبة إيجابية للنظام الإيراني الجديد، في نفاق سياسي معلن وتملق مقصود.
يفرض هذا عدداً من التساؤلات الهامة حول إن كان للديمقراطية ثمة محل في إيران عندما يرفض مجلس صيانة الدستور في كل انتخابات عدداً من مرشحي «التيار الإصلاحي». وعندما يفرض وضع «الفلاتر» في جميع تعاملاته السياسية حتى في الداخل الإيراني، وأن يقولب الناس حسب أهوائه وتصنيفاته لينتقي منهم من هو الأكثر خنوعاً للمرشد الأعلى وأصلهم في القومية الفارسية. كما يدعو للتساؤل عن معنى أن تكون إيران ديمقراطية في ظل المؤسسات الديكتاتورية التي تمارس سلطتها التحكمية في كل شاردة وواردة. ثم، هل ينوي الإعلام الأمريكي تضليل العرب وتعشيمهم بالحلق، فإذا ما خرموا آذانهم خرجوا صفر اليدين بخسارة الاستعداد وسلبية التعاطي مع الموقف في حينه؟ هل توحي لنا أمريكا بمكاسب السلام وشرق أوسط مستقر من لعبة إيرانية لن تغير من ثبات السياسة الخارجية لبلادها شيئاً؟ ثم أن الأهم، هل سينطلي ذلك كله على العرب؟
من المؤسف أن يصدق بعض العرب ذلك، فلكم كان مخيفاً أن أقرأ فيما تنشره مؤسسة إعلامية عربية لكاتب عربي ما يشي بأنه «تم ابتلاع الطُعم بنجاح»، عندما يعبر عن رأيه بأن «ثمة ما يؤكد أن الانتخابات الإيرانية الأخيرة سوف تشكل نقطة تحول مهمة فى تاريخ الثورة والدولة الإيرانية، ترسخ مكانة المعتدلين والإصلاحيين الذين ينشدون إيران أكثر انفتاحاً على العالم وأقل عداء للغرب، وأكثر تواصلاً مع محيطها الإقليمي والدولي، تقبل بحوار الحضارات وتبادل المنافع والمصالح بين الأمم».
* اختلاج النبض:
أرجو ألا نبتلع الطعم الغربي لمشروع الهلوسة العربية وتغيير الوجهة لتجاذبات دولية جديدة، فنيمم وجوهنا شطر إيران في هياج لا واعٍ أو غير مسؤول. علينا أن نتفحص المواقف الغربية جيداً حتى لا نتيح الفرصة لإيران أن تمارس «مشيختها» على العرب. كل شيء قابل للتغير.. والقناعات كذلك.. فهل سيأتي يوم نجد فيه طريق الخلاص يشير بوروده الموقوتة وسجاده الدموي إلى توازنات قوى في شرق أوسط «إيران» قلبه وشرطيه؟!! وإن حدث.. هل سنلقي بعصينا طائعين مؤمنين؟!