من العناوين المثيرة التي لخص بها البعض النتائج المبكرة للانتخابات في إيران العنوان التالي، «حمائم إيران انتصروا على صقورها»، معتبرا هذا البعض فوز تيار الإصلاح والاعتدال سببا لدخول الشعب الإيراني في مزاج تصالحي، فجاء السؤال من أحد المهتمين بالشأن الإيراني والخليجي «كيف سينعكس فوز هذا التيار على نهج التمدد الإيراني في المحيط العربي؟ وكيف ستتعامل العواصم الخليجية مع رسالة الشعب الإيراني؟» ورغم أن من طرح السؤال بدا متفائلاً ومعتقداً أن هذه النتيجة ستنعكس إيجاباً على العلاقة بين إيران ودول مجلس التعاون كافة إلا أنه ألحق ما كتب بهذه العبارة «صحيح المرشد يمسك الدركسون والحرس الجمهوري في المقعد الأمامي لكن تم تنتيف جناحه الصقوري والجناح الإصلاحي ازداد قوة»، ولأن التجربة تؤكد أن تغييراً في نظرة إيران لدول الخليج العربي أمر شبه مستحيل إن لم يكن مستحيلاً لذا كتب أحد المتابعين على «تويتر» معلقاً على ما سبق «المشكلة ليست في الإصلاحيين أو الأصوليين.. مشكلة إيران الحقيقية هي في رأس النظام وهو «ولاية الفقيه» والفكر القائم فيه». واقعاً لن يتغير شيء في سياسة إيران، فطالما أن الحكم هو حكم ولاية الفقيه، والكلمة الأولى والأخيرة للمرشد الأعلى الذي يمسك بزمام كل شيء وتؤول الأمور كلها إليه وهو الفيصل والحكم، فإن الأكيد هو أن أي تيار عاقل مهما كان قوياً لا يستطيع أن يفعل أي شيء سوى التوافق مع توجهات وأحكام «الولي الفقيه»، عدا أن المجموعة التي تسيطر على المقاعد في الصف الأول في إيران هي نفسها لا تتغير، ولن تتغير، فما يجري في إيران من انتخابات وأشكال زائفة للديمقراطية لا يعدو «تفريحة» لشعب مغلوب على أمره يعلم جيداً أنه مأكول الطعام وأنه ليس له إلا أن يكون مرحباً بآكل طعامه. العقلية الفارسية التي تعتبر الآخرين وخصوصاً العرب في الدرجة الدنيا هي التي تسيطر وتتحكم في تصرفات القيادة الإيرانية، واعتبار الملالي المرشد الأعلى ظل الله سبحانه وتعالى على الأرض وخليفته والذي ينبغي أن يصير البشر كلهم تحت إمرته يوفر لهم معياراً يعينهم على تقسيم الناس إلى فسطاطين، مسلم وكافر، فمن يسلم بالأمر ويعتقد بـ «ولاية الفقيه» فهو مسلم، له ما للمسلمين وعليه ما على المسلمين، ومن لا يسلم به اعتبروه خارجاً عن الملة وصار حقاً على «الولي الفقيه» أن يعيده إلى الصراط المستقيم. حكام إيران ينظرون إلى العرب إجمالاً وإلى أهل الخليج العربي بشكل خاص بفوقية ويعتبرون أنفسهم الأحق بكل شيء وسادة المنطقة كلها، وبالتالي فإن أي شيء لن يتغير، سواء فاز الحمائم أو الصقور، فحتى الحمائم يمارسون دور الصقور إن تعلق الأمر بالعرب وبدول الخليج العربي. هذا الكلام ليس عن الشعب الإيراني وإنما عن المسيطرين على مقدراته، فهذا الشعب يريد أن يفلت من المأزق الذي صار فيه ويتحرر، وانتخابه لهذا الفريق دون ذاك هو اختياره لأهون الشرين، فكل التيارات لا تستطيع أن تنتشله وتنقذه، لكنه من الطبيعي أن يظل متعلقاً بالأمل وأن يحاول لعل وعسى. طالما أن التغيير في إيران لم يطل من يتحكمون في مصير الشعب الإيراني المسكين، وطالما أن تغييراً لم يحدث في فكر وتوجه هؤلاء وفي فرض توجه معين على الشعب الإيراني، فإن التفاؤل بفوز هذا التيار أو ذاك لا قيمة له لأنه لن يفضي إلى أي جديد. القصة ليست قصة هزيمة صقور وفوز حمائم ولكنها في العقلية الفارسية التي لاتزال تعتقد أنها الأعلى وأن الكلمة الفصل هي لـ «الولي الفقيه»، لذا فإن أي تغيير في سياسة إيران لن يحدث.