أحد الإشكالات التي تعاني منها الكثير من الدول، هو عدم وجود الثقة بالمواطنين والشركات بالعاملين فيها، عدم الثقة هذا يعود في تصوري إلى كون هؤلاء المسؤولين لا يثقون بأنفسهم، وبالتالي فمن لا يثق بنفسه لا يمكن أن يثق بالعاملين تحت يده، ونسمع ونرى ونقرأ أن أكثر الحكومات والمديرين ما إن يقعوا في أزمة ما، حتى يبدؤوا بالركض لطلب المشورة من أجل حل هذه الأزمة إلى الشركات، مقدمين لها الملايين في بعض الأحيان، للتخلص من وجع الدماغ، تحت إطار الدراسات الاستراتيجية أو الفنية أو العلمية.
ونلاحظ نحن المتابعين لمثل هذه الأمور، أن المشكلة تبقى على ما هي عليه، إن لم تكن أسوأ من ذلك. بمعنى آخر، لم تكن هناك أية جدوى في الاستعانة بمثل هذه الشركات أو المستشارين لمثل هذه المشاكل الاقتصادية والسياسية وغيرها.
لأكثر من مرة قرأت وبتمعن في القصة المتداولة في مواقع التواصل الاجتماعي التي تحاول التأكيد على أن باستطاعة كل شركة أو حكومة أو مجموعة اقتصادية كبيرة، الاعتماد على خبرات العاملين فيها، الذين يعرفون كل صغيرة وكبيرة في المؤسسة، فأهل مكة أدرى بشعابها.
تقول القصة إن صاحب مصنع صابون تعرض لمشكلة كبيرة، أصابت سمعة مصنعه وهددته بخسارة كبيرة، وتتمثل المشكلة في أن بعض علب الصابون التي ينتجها تكون فارغة بسبب سرعة الماكينة أثناء التغليف مما أثر على سمعة مصنعه.
وجاء صاحب المصنع بخبراء لكي يجدوا له حلاً فقال الخبراء: الحل الوحيد أن تأتي بماكينة ليزر توضع فوق خط سير الإنتاج، وتكشف كل علبة تمر وهل بداخلها صابون أم لا؟ وتكلفة هذه الماكينة 200 ألف دولار. فغضب صاحب المصنع عندما سمع تكلفة الماكينة الجديدة وضخامة المبلغ وبعد تفكير عميق قرر أن يشتريها حتى يحافظ على سمعة مصنعه، وخلال فترة جلوسه في مكتبه وتفكيره، دخل عليه عامل صغير في مصنعه وقال له: سيدي أنت لست بحاجة لدفع 200 ألف دولار لشراء هذه الماكينة فقط أعطني 100 دولار وسأجد لك الحل!! فتعجب صاحب المصنع من كلام العامل وأعطاه المبلغ وفعلاً في الصباح أتى العامل بمروحة ووضعها أمام خط سير الإنتاج وقامت المروحة بتطيير أي علبة فارغة ليس بداخلها صابون والعبوات المملوءة تمر على خط الإنتاج ولا يحدث لها شيء.
الحكمة من ذلك في أنه لا تستهين بأي شخص مهما كان بسيطاً، فربما كانت لديه أفكار ليست لدى خبراء، تغير مجرى حياتك.
هل نحن قادرون على حل مشاكلنا العالقة بأنفسنا، مهما كانت هذه المشاكل، سياسية، اقتصادية، ثقافية، اجتماعية، أم نظل بين فترة وأخرى نستعين بخبرات الآخرين، الذين من الممكن أن ينظروا لنا لمثل هذه الأمور، ولكن أشك أن يعطوا الحل.
إن في كل شركة، حكومة، بلد، كفاءات لا يكتشفها المديرون والمسؤولون، لأنهم لا يملكون الثقة بها. أقول دائماً وأردد بدون ملل أو كلل، ما حك جلدك مثل ظفرك، ابحث عن الكفاءات عند من تعمل معهم، ولا تعتمد على الخبرات الأجنبية.