تناقضات السياسة الأمريكية تجاه سوريا وخيار التقسيم!
«ربما يكون من الصعب إبقاء سوريا موحدة إذا استغرق إنهاء القتال هناك مدة أطول، وإذا انتظرنا فترة أطول»، هكذا تحدث وزير الخارجية الأمريكي جون كيري لأول مرة عن خيار تقسيم سوريا عشية هدنة مؤقتة، ووقف لإطلاق النار، من المقرر أن يدخل حيز التنفيذ بعد غد السبت، أعلنته واشنطن وموسكو الإثنين الماضي في بيان مشترك، ولن يشمل الاتفاق تنظيم الدولة «داعش» و«جبهة النصرة»، ذراع تنظيم القاعدة في سوريا، وبقية المنظمات الإرهابية التي حددها مجلس الأمن. ويعد تصريح كيري عن تقسيم سوريا مفاجأة وتحولاً جديداً في الموقف الأمريكي، خاصة وأن واشنطن حتى ساعات قليلة، وقبل ذلك التصريح، دأبت على تأكيد ضرورة المحافظة على سوريا ديمقراطية علمانية موحدة، وربما هذا ما دفع كيري إلى التصريح بأنه أبلغ الرئيس الروسي فلاديمير بوتين أن واشنطن لن تنتظر أكثر من أشهر قليلة لترى ما إذا كانت موسكو جادة بشأن المحادثات، وسارع إلى التحذير من أن «أي شخص يعتقد أن هناك حصانة من العقاب على انتهاك الاتفاق يرتكب خطأً فادحاً»، في رد على تصريحات للسيناتور بوب كوركر، قال فيها إنه «لا يعتقد أنه ستكون هناك أي عواقب في ظل إدارة الرئيس باراك أوباما»! ربما يمكننا ببساطة التعرف على مواقف دول الخليج والدول العربية وتركيا وإيران وروسيا و«حزب الله» من الحرب في سوريا، ومن يقف مع نظام الرئيس بشار الأسد، ومن يدعم المعارضة السورية المسلحة خاصة المعتدلة، إلا أننا نقف عاجزين أمام معرفة طبيعة الموقف والدور الأمريكي تجاه سوريا، وسط سلسلة من التناقضات المقصودة التي لا تخلو من براغماتية لتحقيق مقاصد واشنطن في المنطقة. ولذلك يرى مراقبون أن استراتيجية أوباما تجاه الشرق الأوسط وتحديداً تجاه سوريا تحولت إلى معضلة تربك المهتمين بالسياسة الخارجية الأمريكية، البعض يتحدث عن تراجع، والآخر يرى أنها ارتباك، وطرف ثالث يفسرها على أنها تردد، لكن ما نشاهده على أرض الواقع يؤكد أن أمريكا تنأى بنفسها عن أي تدخل عسكري في المنطقة، بل على العكس فهي أصبحت مسايرة لمجريات الأحداث دون الانخراط أو التورط في صراع يشابه مع حدث في غزو العراق على سبيل المثال، لكنها في ذات الوقت تعتمد على وكلاء لتحقيق مآربها، وليس أدل من ذلك التغاضي الأمريكي عن الأدوار العسكرية المتنامية لكل من روسيا وإيران في سوريا. ولنرصد تناقضات أمريكا تجاه الملف السوري، فقد أعلنت واشنطن منذ اندلاع الثورة منتصف مارس 2011 أنه لا دور للأسد في مستقبل سوريا، وأنه فقد شرعيته، وفي ذات الوقت تتخلى عن تدريب المعارضة السورية المعتدلة وتتحفظ على تسليحها، في حين تغض الطرف عن القصف الروسي الذي يستهدف مواقع المعارضة الذي أدى إلى تحول استراتيجي وتحقيق قوات الأسد مكاسب ميدانية، مع إدارة إيران وميليشياتها خاصة «حزب الله» للحرب على الأرض خاصة في حلب شمالاً. وربما تلك التناقضات دفعت الرئيس التركي رجب طيب أردوغان إلى شن هجوم لاذع على إدارة أوباما وتهديدها بانه على «الولايات المتحدة أن تختار بين مساندة بلاده أو وحدات حماية الشعب الكردية»، مشيراً إلى ازدواجية السياسة الأمريكية بقوله «الولايات المتحدة لم توافق على إقامة منطقة حظر طيران فوق سوريا، إلا أن المقاتلات الروسية تسرح وتمرح هناك، فيموت الآلاف من المظلومين، ألسنا حلفاء ونتحرك معاً؟ ماذا حدث حتى تطلبوا منا وقف قصف الوحدات الكردية؟». وأضاف أنه «من الصعب فهم لماذا لا تصف أمريكا وحدات حماية الشعب بالمنظمة الإرهابية»، مشدداً على أنه «لن يسمح بإقامة ما وصفها بـ«قنديل ثانية» على الحدود السورية، في إشارة إلى قواعد حزب العمال الكردستاني في جبال قنديل شمال العراق. وأكد أن «عدم الربط بين هاتين الجماعتين يعد عملاً عدائياً لبلاده»، مشيراً إلى أن «وحدات حماية الشعب الكردية تحاول استخدام الحرب على «داعش» كغطاء لطرد التركمان والعرب والأكراد الآخرين من شمال سوريا». ما سبق يقودنا إلى سؤال جوهري، إذا كانت أمريكا تريد إنهاء الصراع في سوريا والقضاء على «داعش»، لماذا لا تدعم الحلفاء الرئيسيين مثل دول الخليج وتركيا ضد روسيا وإيران في مطلبهم الأساس بضرورة رحيل الأسد عن السلطة. * وقفة: مخطئ وواهم وربما ساذج من يعتقد إن الإدارة الأمريكية تريد إنهاء الحرب في سوريا، ورحيل الأسد عن السلطة، هي تسعى لإدارة الصراع وليس إنهاؤه أو حله، بل على العكس هي تريد استمراره ولكن تحت إدارتها، وسيثبت التاريخ أن أوباما كان الرئيس الأكثر دهاءً وذكاءً في تحقيق مآرب بلاده في المنطقة، ففي الوقت الذي يتحدث فيه المحللون والمراقبون عن تردد واشنطن في سوريا وتراجع الدور الأمريكي في المنطقة نجد أن واشنطن تحت قيادة أوباما تحقق ما تريد بأبسط وأسهل الطرق دون أدنى مجهود أو خسائر تذكر.