تعقيباً على ما كتبه الأستاذ «حسين التتان» في عموده «قصة حقيقية صادمة مع العلاقات العامة»، أود أن أشكره على إثارته قضية التحديات التي تواجه تطبيق العلاقات العامة في المؤسسات. وأود أن أورد قصتين قصيرتين ألخص بهما رؤيتين مختلفتين للعلاقات العامة في مؤسستين تعرضتا لأزمتين مختلفتين.
تسرب غاز سام من أحد المصانع الأمريكية المنتجة للمبيدات الحشرية والتابعة لشركة «يونيون كاربايد» الأمريكية بمنطقة بوهبال بالهند في ديسمبر 1983.
كان الناس يتخبطون في الظلام كمن أصابهم مس من الشيطان، وهم يتساقطون كالذباب ويظنون أن الساعة قد حانت، أكثر من ألفي شخص فارقوا الحياة مختنقين، بينما أكثر من مائتي ألف شخص أصيبوا بإصابات خطيرة منها العمى الكلي في الكثير من الحالات، وكانت كارثة إنسانية بكل المقاييس.
بينما كان الموت يحصد الأرواح، أعلن المدير العام لشركة «يوناين كاربايد» بالهند للصحافة استعداده للسفر للهند، مطلقاً سيلاً من الوعود حتى يجنب نفسه الدعاوى القانونية.
لكنه لم يكلف نفسه حتى عناء الاتصال بالفرع متذرعاً بصعوبة الاتصالات، لم يكلف نفسه بإرسال فريق من الإسعافات للضحايا الفقراء أو حتى توعية الضحايا البسطاء الذين لم يكونوا يعلموا أن وضع قطعة قماش مبللة بالماء فقط كان كافياً لإنقاذهم من الموت أوالعمى!
وما أن وصل المدير للهند حتى تم القبض عليه ووضعه تحت الإقامة الجبرية في بيته، وعندما عاد لأمريكا كان أول ما فعلته العلاقات العامة بالمؤسسة أنها نفت أمام وسائل الإعلام علاقة الشركة الأم بفرعها بالهند!
هذه الكارثة الإنسانية وغياب المسؤولية الاجتماعية كانت نموذجاً لتطبيق سلبي للعلاقات العامة كما يجب ألا تكون، ودعوة لوضع معايير أخلاقية لممارسة العلاقات العامة.
وفي المقابل نرى نموذجاً مختلفاً لإدارة العلاقات العامة في أزمة شركة «جونسون أند جونسون» في عام 1982، عندما تسمم وتوفي سبعة أشخاص بعد تناولهم دواء «التايلينول» الذي تصدره الشركة بفعل فاعل. ودواء «التايلينول» هو مسكن بسيط للآلام يتناوله المريض بدون وصفة مثله مثل الباندول، فلكم أن تتخيلوا وقع مثل هذه الأزمة على شركة عالمية بسمعة «جونسون أند جونسون».
فمنذ بداية الأزمة، وضعت المؤسسة الأولوية للرأي العام، فتحت المؤسسة جميع قنوات الاتصال مع جمهورها الداخلي والخارجي، وتبنت رؤية الباب المفتوح على الإعلام وتحرت المصداقية في إعطاء كل المعلومات وتدشين الخطوط الساخنة واللقاءات للرد على مخاوف الجمهور، بالإضافة لسحب المنتج من كل السوق مستعدة للخسارة المادية مقابل استعادة ثقة جمهورها، كما حرصت على طمأنة الجمهور الداخلي بلقاءات متواصلة.
وكانت النتيجة أنه رغم التكاليف المالية التي تكبدتها المؤسسة لاستعادة ثقة جمهورها، فقد استعادت الأهم وهو سمعة اسمها التجاري واستعادة حصتها السوقية خلال فترة زمنية وجيزة.
ما الذي نتعلمه من كارثة «بوهبال» وأزمة «جونسون أند جونسون» اللتين فصل بينهما أقل من سنة؟
ما الذي تختلف فيه إدارة العلاقات العامة في كلتا المؤسستين؟
إن الفرق بينهما هو غياب الرؤية الاستراتيجية الثاقبة.
يجب أن تسأل كل مؤسسة نفسها: هل هدفي كمؤسسة الربح السريع حتى لو تجاوزت بعض الحقائق سيراً على مبدأ «إنني لا أكذب ولكنني أتجمل»، أم هدفي هو العلاقة المتبادلة التي أحقق من خلالها الربح على المدى الطويل؟
لقد تطور مفهوم العلاقات العامة وخرج من قالبه القديم الذي كان مرتبطاً سابقاً لدى الكثيرين بتجميل وتلميع المؤسسة إلى تخصص أكاديمي يقوم على الرؤية والتخطيط الاستراتيجي الاستباقي لتوطيد علاقة تقوم على المصلحة المتبادلة بين المؤسسة وجمهورها الداخلي والخارجي ووسائل الإعلام.
نحن نحتاج تبني رؤية استراتيجية جديدة مختلفة نتحدى فيها المفاهيم القديمة، ونغير من خلالها نظرتنا لمفهوم علاقتنا بالجمهور كمؤسسة عن طريق النظر للجمهور كشريك أساسي للمؤسسة في التطوير والنجاح.