الرأي العام ليس دوماً على حق.. هذا ما توصلت إليه مؤخراً!! عندما برهن الواقع المصلحة العامة المتحققة من ممارسة بعض الأحكام أو فرض النظام من قبل الجهات المسؤولة بقانون صارم وتنفيذ أكثر صرامة، مهما بدى ذلك تعسفياً أو مبالغاً في بادئ الأمر، وأعني بهذا حملة «أعد النظر» المرورية.
أذكر جيداً موجة الاعتراضات التي اجتاحت مواقع التواصل الاجتماعي والمجالس إزاء قانون المرور الجديد، ومازالت بعض النوادر المتداولة في ذلك الوقت عالقة في ذهني عندما صور البعض المخالفات بأنها مبالغة جداً، وقرنها بمهر العروس، متندرين بأن على الخاطب أن يتكبد تسديد غرامة المخالفات المرورية للمخطوبة بدلاً من دفع مهرها، في تعاطي جاد مع حتمية المخالفات والتي كانت تمثل أسلوب حياة لدى أغلب السائقين وخصوصاً الشباب، ولهذا بدا قانون المرور الجديد - لدى البعض - وكأنه تضييقاً على حرية الأفراد في كثير من الممارسات كالتحدث بالهاتف أثناء السياقة أو تجاوز السرعة المحددة للشارع، وممارسة تصرفات أخرى رعناء وطائشة بعض الأحيان، وغيرها كثير.
أما اليوم فقد تجلت مظاهر الالتزام والرقي بعد انتشار ثقافة مرورية واعية تمخضت عن نجاح حملة «أعد النظر»، عبر مواقع التواصل الاجتماعي، التي انعكست آثارها إيجابياً في الشارع، حيث أصبح الغالبية العظمى من السائقين أكثر التزاماً بالقانون الجديد، ما يقدم البحرين بمظهر حضاري يعكس ثقافة شعب البحرين ووعيه واحترامه للآخرين، وتعاطيه المسؤول مع مفهوم الحرية دونما تجاوز أو تعدي على حريات وحقوق الآخرين في الطريق. إن ما تحقق من نشاط وتفاعل مع حملة «أعد النظر» مدعاة للفخر والاعتزاز بنموذج التواصل المجتمعي الرسمي، الذي أسهم في تغيير الصورة النمطية لرجل المرور والمرتبطة بالمخالفة في غالب الأحيان، وتعديلها خروجاً إلى أدوار أكثر أهمية وتؤدي إلى الهدف مباشرة تتمثل في دور رجل المرور في التوعية والحوار.
وبرأيي فإن عوامل عدة أسهمت في نجاح تلك الحملة، فإلى جانب الاستعداد الطبيعي لدى أهل البحرين لاكتساب مزيد من الثقافات وتحليه بالوعي، فإن الجهود الجبارة الرسمية التي بذلت في تلك الحملة والتي راعت وبعناية الأساليب النفسية في عرض المواد عبر حساب الحملة، والحفاظ على جمالية الصورة شكلاً ومضموناً، فضلاً عن التساؤلات التي تطرح، ودورها في إشراك الجمهور بأفكاره وتصوراته، كلها عوامل كانت لها وقع طيب وإيجابي في نفوس المتعرضين للحملة، بما انعكس في سلوكهم. وهو ما يبرهن النجاح الإعلامي الأمني والمروري في البحرين يوماً تلو الآخر وفي قضايا متعددة.
قد يتساءل البعض، لما يبدو موضوعاً كهذا مهماً للطرح في مقال، ولكن متى ما نقف على إحصائيات السنوات الماضية للحوادث المرورية، بدرجاتها المختلفة، والتي أودها كثير منها بحياة السائقين أو الركاب والمشاة في الشارع، وانعكاسات ذلك في ارتفاع نسبة الأيتام والأرامل من الجنسين، والمشكلات الاجتماعية المتمخضة عن حوادث القتل غير المقصود من خلال تلك الحوادث، ندرك أنه كان لابد من إعادة التنظيم المروري.
* اختلاج النبض:
عندما ننعم بمزيد من المسؤولية الحضارية في الشارع، ونتمتع بسياقة آمنة، وأن نكون بعيدين عن هاجس الحوادث المميتة التي كنا نسمعها في اليوم لمرات عديدة، فإن كلمة «شكراً» لا تفي بحجم الجهود التي بذلت لنصل إلى ما وصلنا إليه اليوم. وهو ما يدعو لإعادة النظر في الصورة النمطية التي قدمها الجمهور في بادئ الأمر لحملة «أعد النظر».