من يتابع تقارير ودراسات المراكز البحثية الغربية يدرك جيداً حجم الهوس في الغرب بتقديم رؤى وتصورات تتعلق بمستقبل منطقة الخليج العربي ودوله، وحجم الأبحاث الجارية حول مرحلة ما بعد الأنظمة الخليجية الحاكمة، بالإضافة إلى مرحلة ما بعد الأسر الخليجية المالكة.
مثل هذا الاهتمام يؤكد التحول الهائل في المصالح الاستراتيجية للغرب سواءً كانت الولايات المتحدة أو الاتحاد الأوروبي في المنطقة. فبعد أن كانت المصالح الاستراتيجية الغربية تشمل دعم الأنظمة الخليجية القائمة والأسر المالكة الحاكمة، تحولت هذه المصالح إلى الحفاظ على استقرار المنطقة فقط من أجل ضمان أمن الطاقة. وبالتالي الغرب أنهى مصالحه مع الأنظمة الحاكمة، ولم يقم بإلغاء مصالحه الإستراتيجية في المنطقة.
مراكز الأبحاث الغربية باتت اليوم تنظر وتعد التصورات لمرحلة ما بعد الأسر الخليجية المالكة والحاكمة في دول هذه المنطقة، وتحدد السيناريوهات لمستقبل المنطقة بعد هذه المرحلة. فعلى سبيل المثال نشر موقع «ديفينس ون» ثلاثة سيناريوهات من الممكن أن تواجه دول مجلس التعاون، تشمل الحرب الخارجية، أو انتفاضات شعبية سلمية أو عنيفة، أو الانفجار الداخلي.
انشغال هذه المراكز بتقديم التصورات حول مستقبل المنطقة وكيفية التعامل الأمريكي معها، يفرض علينا في دول مجلس التعاون الخليجي أيضاً الانشغال بمرحلة الخليج بدون الأمريكيين مع تراجع نفوذ واشنطن إلى جنوب القارة الآسيوية، وكيف يمكن التعامل مع القوى العظمى خلال الفترة المقبلة في ظل تقاربها مع طهران بعد إنهاء تحالفاتها التقليدية التاريخية مع دول مجلس التعاون.
من الواضح أن التحولات الجارية في الشرق الأوسط، وتغير موازين القوى بظهور القوة السعودية التي تحولت من قوة كبرى في المنطقة إلى قوة عظمى بعد أن أثبتت جدارتها في تشكيل أكبر تحالفين عسكريين خلال القرن الحادي والعشرين، وبسرعة فائقة، المرة الأولى لاستعادة الشرعية في اليمن، والثانية لمواجهة الإرهاب. واللافت أن الرياض استفادت من مظلتين تمثلان عمقاً استراتيجياً لها، ففي التحالف مع اليمن كان تحالفاً عربياً، وفي التحالف لمواجهة الإرهاب كان تحالفاً إسلامياً، وكلا التحالفين يرمزان لهوية المملكة العربية السعودية وامتداداتها الاستراتيجية التي يبدو أن الغرب لا ينظر لها في تقديراته وتحليلاته.
تصورات غربية عديدة جاري تطبيقها منذ زمن لإعادة تشكيل منطقة الشرق الأوسط، بعضها نجح كما في تقسيم السودان، والآخر مازال في الطريق لتكون العراق ثاني دولة عربية يتم تقسيمها إلى عدة دول وفقاً لتكوينها الإثنو ـ طائفي، وبعدها ستكون سوريا.. إلخ. ما يمكن أن يفشل مثل هذه التصورات والسياسات هو التحركات الإستراتيجية الخليجية التي أثبتت قدرتها على شل الكثير من المشاريع في المنطقة بقيادة الرياض باعتبارها القوة الأعظم في النظام الإقليمي الخليجي اليوم.