شهد العالم العربي أواخر عام 2010 ومطلع عام 2011 هزات سياسية لم يكن أحدٌ يتوقع حدوثها بهذه السرعة، وبهذا القدر من التأثير، إذ وللمرة الأولى في العصر الحديث تتمكن شعوب عربية من تحقيق أهدافها وتطلعاتها في نيل حريتها عن طريق ثورات شعبية أطاحت بحكام وأنظمة حكمت شعوبها عشرات السنين. والمتتبع لتسلسل الأحداث والوسائل التي سلكتها الشعوب العربية في ثوراتها، يلاحظ بصورة واضحة أن مواقع التواصل الاجتماعي، قد لعبت إلى جانب دورها الاجتماعي، دوراً أساسياً وفعالاً بهذه الثورات، أو ما أطلق عليه اسم «الربيع العربي»، وتحولت من كونها مواقع للتواصل الاجتماعي وبناء العلاقات وتكوين الصداقات، وتبادل الطرائف والأحاديث الجانبية، إلى مواقع يستغلها مرتادوها ونشطاؤها للتداول السياسي بغية التعبير عن واقع حياتهم، وظروف معيشتهم وهمومهم المشتركة. وتهدف الدراسات الحالية من خلال المنهج التحليلي، إلى معرفة الدور الذي لعبته هذه المواقع في إطلاق شرارة ما يعرف بـ «الثورات العربية» بشكل عام وفي مصر بشكل خاص، وتناقش أبرز مظاهر تحول هذه المواقع وبالأخص «فيسبوك» من الطابع الاجتماعي البحت، الذي من أجله أنشئت، إلى الطابع السياسي المؤثر، وترصد كيف تحول نشطاء الانترنت ممن اعتادوا قضاء معظم أوقاتهم خلف شاشات الكمبيوتر وفي غرف «الشات» والدردشة و«فيسبوك»، إلى موج بشري هادر في الشوارع والطرقات والميادين يهتفون بأعلى صوتهم ويرددون بصوت واحد «الشعب يريد إسقاط النظام». فكان لمواقع التواصل الاجتماعي – في السياق العربي - دوراً هاماً وخطيراً يتمثل في قدرتها الفعالة على شحن وتعبئة الرأي العام تجاه عدد من القضايا السياسية. ففي مصر مثلًا شكلت الشبكات الاجتماعية وعلى رأسها «فيسبوك» مجالًا للاحتجاجات والتشجيع على الإضرابات، انطلاقاً من دعوات حركة «6 أبريل»، وصولًا إلى دعوات التظاهر يوم 25 يناير 2011، والتي أعطت شرارة الانطلاق لثورة 25 يناير. هذه الأمثلة جسدت قدرة هذه المواقع على التعبئة، ومن ثم الانتقال من مرحلة الافتراضي إلى مرحلة الواقعي، والنزول إلى الشارع. من جهة أخرى فتحت الشبكات الاجتماعية مجالًا جديدًا للدعاية الانتخابية، وطرح البرامج الانتخابية، حيث تكونت عبر «فيسبوك» مجموعات لنشر البرامج، وجمع التأييد، وبذلك أضحت الشبكات الاجتماعية ساحات شعبية تجري فيها الممارسة السياسية على أوسع نطاق. ويمكن لهذه الشبكات أن تكون مصدراً سريعاً لكل ما يحصل من أحداث حول العالم من قلب الحدث، معتمدة في ذلك على أشخاص متواجدين في مسرح الأحداث يشاركون مع بقية المستخدمين، الأخبار والصور ومقاطع الفيديو والتعليقات ويبثونها إلى جميع بقاع الأرض دون حواجز أو عوائق. وهو ما حصل بالضبط إبان الحراك الاجتماعي والسياسي الذي عرفته عدد من البلدان العربية. إذ استطاع النشطاء والمتظاهرون في الميادين والشوارع، إيصال ما يحدث إلى العالم بأسره من خلال استعمال أدوات تصوير عادية وهواتف وبث الصور والأخبار والمقاطع عبر «فيسبوك»، وهو ما أكدته مثلًا دراسة قامت بها جامعة واشنطن بعنوان «دور الإعلام الاجتماعي في الثورات العربية». واعتمدت الدراسة على اكثر من 10 آلاف صفحة على «فيسبوك» بخلاف باقي مواقع «السوشيال ميديا»، لتخلص إلى أن هذه المواقع لعبت دوراً كبيراً في إشعال وتفعيل الثورات العربية، ووفقاً للدراسات، فإن الحديث عن الثورات بدأ قبل نشوبها، حيث استفاد الناس كثيراً من مساحة الحرية على شبكات التواصل الاجتماعي، وبالأخص على «فيسبوك» للمشاركة والتعبير والمطالبة بالإصلاح السياسي.