لو لم يكن هناك نوري المالكي، لم يكن هناك تنظيم الدولة «داعش»، فما «داعش» إلا ظاهرة للإحباط السني الذي نشأ بسبب سياسات المالكي الطائفية، فاضطهاد المالكي للسنة دفع بأعضاء حزب «البعث» المنحل إلى التحالف مع تنظيم «القاعدة»، والنتيجة كانت المسخ الذي يدعى «داعش».
لا يمكن القضاء على «داعش» بالحملة العسكرية فقط، لأن محاربة «داعش» تتطلب منظومة متكاملة أساسها المصالحة الوطنية في العراق، وإدماج السنة في الحكم، ودعم إصلاحات رئيس الوزراء العراقي حيدر العبادي التي أيدها المرجع الشيعي آية الله علي السيستاني ورفضتها إيران. وبالرغم من أن العالم يعرف أن المالكي مسؤول عما آلت إليه الأوضاع في العراق حتى أن وزير الخارجية الفرنسي السابق لوران فابيوس قال في مقابلة بعد إقالة المالكي إن «المالكي هو المسؤول عن الفوضى»، فما زال الأخير صاحب نفوذ في العراق وهو مصدر أساسي في تغذية النزاع الطائفي فيه.
ولا شك في أن غزو أمريكا للعراق وسياستها قد أيقظت النعرة الطائفية، خاصة أن تطبيق مبدأ اجتثاث البعث استهدف السنة بالذات، وكان وقتها القائم على الأمر أحمد الجلبي. وكان من الملاحظ أن عملية الاجتثاث كانت تطبق على السنة من حزب «البعث» بينما كانت تستثني الشيعة، وهذا ما أيقظ النعرة الطائفية ومن ثم بدأت العمليات الإرهابية، وبدأ معها استهداف المدنيين، ومن ثم بدأ العنف يعصف بالعراق.
وربما أيقنت أمريكا بعد فترة مغبة أفعالها وبدأ القائد السابق للقوات الأمريكية في العراق الجنرال ديفيد بترايوس التعاون مع قوات الصحوات وربما كان الهدف تفعيل المصالحة الوطنية وإرجاع السنة إلى كنف الدولة والقضاء على الميليشيات المسلحة، وحتى يحافظ على منصبه ونفوذه حاول المالكي مجبراً مجاراة الواقع وقام بضبط بعض الميليشيات الشيعية، لكن ما إن انسحبت أمريكا من العراق حتى أعاد سياسة الاجتثاث مرة أخرى بهدف إقصاء السنة، ومن ثم عاد العنف مرة أخرى. ومن المعلوم أن فترة حكم المالكي شهدت انتشار الفساد، كما أنه أفسح المجال للميليشيات الشيعية للقيام بعمليات تطهير عرقي تستهدف السنة خاصة في بغداد، وقد تحدثت تقارير عن أن لأبرز مستشاريه وتدعى باسمة الجديري كانت تتزعم فرقة موت مختصة بقتل السنة، وقد أدت سياسات المالكي العنصرية إلى تفريغ العاصمة من السنة، فمعدل السنة في بغداد
تراجع من 45% في 2003 إلى 25% في 2007.
وبالرغم من أنه أبعد عن الحكم، إلا أنه لا يزال يتمتع بالنفوذ في العراق، فعندما اختير المالكي رئيساً للوزراء كان ضعيفاً، وكان اختياره كمرشح توافقي بين تيار الصدر وحزب المجلس الأعلى الإسلامي بزعامة عبدالعزيز الحكيم، وشيئاً فشيئاً زاد نفوذه خاصة بعدما احتفظ بحقيبتي الداخلية والدفاع، الأمر الذي مكنه من نهب ثروات العراق وشراء أتباع، وتدعيم نفوذه داخل مؤسسات الدولة من خلال طرد المسؤولين الكفوؤين واستبدالهم بشخصيات فاسدة موالية له.
اليوم يتحكم المالكي في استراتيجية ميليشيات بسوريا والعراق وله دور مهم في إعاقة إصلاحات العبادي، ولا شك في أن المالكي يبقى الرجل الأول بالعراق لقائد فيلق القدس بالحرس الثوري الإيراني الجنرال قاسم سليمان، رغم رضوخ إيران لطلب أمريكا بقبول إقالة المالكي، والحقيقة أنه إن لم يتم القضاء على نفوذ المالكي في العراق فلن تكون هناك أي مصالحة في البلد، فالعراق هو عقر دار «داعش» ولذلك من المهم هزيمة التنظيم ووقف استهداف الميليشيات الشيعية للسنة، ووقف الحكومة العراقية لعمليات الاضطهاد التي تمارس ضد السنة، وهنا على أمريكا الضغط على إيران حتى توقف دعمها للمالكي وحتى تتراجع عن رفضها لإصلاحات العبادي.