مازالت بعض النخب في دول مجلس التعاون الخليجي ترى أن أفكاراً تتعلق بتقسيم دولها مجرد افتراضات نظرية، ولا تتجاوز نظريات المؤامرة، وبالتالي لا تستحق هذه الأفكار الانتباه والاهتمام أو حتى الاطلاع حولها.
مثل هذه النخب تعاني فعلاً من مشكلة حقيقية، لأنها لا ترى التحولات الجارية في الخليج العربي، أو إقليم الشرق الأوسط، فضلاً عن التحول الهائل في النظام الدولي، ولذلك فإنها غير قادرة على تقييم حقيقي.
خليجياً، هناك عدة قوى متصارعة، وبينها تناقضات عميقة، والمصالح فيما بينها متضاربة كما هو الحال بالنسبة لمواقفها من القضايا المحلية والإقليمية والدولية. وهذا الصراع لن ينتهي سريعاً، بل سيستغرق وقتاً طويلاً، وبه موجات هابطة وأخرى صاعدة ترسم ملامح ومستقبل هذا الصراع.
إقليمياً، الحروب الإقليمية لا يمكن أن تنتهي بسلام ومحبة، بل ستحسم بالقوة، وستخلف تداعيات طويلة المدى تدفع تدريجياً لزيادة عدد دول الشرق الأوسط عن العدد المعروف منذ عقود من خلال تقسيمها، فأعداء اليوم لا يمكن أن يصبحوا أصدقاء الغد في نطاق الدولة الواحدة، خاصة مع التباينات الإثنوـ طائفية التي تتسم بها دول الشرق الأوسط، وهي مختلفة تماماً عن تلك الموجودة في أوروبا خلال فترة الحرب الدينية التي انتهت بمعاهدة ويستفاليا الشهيرة.
دولياً، هناك تحول كبير في نظام القوة، فالنظام الدولي الذي انفردت به الولايات المتحدة وبات نظاماً أحادي القطبية، بدأ بالتحول إلى نظام متعدد الأقطاب ستتحول فيه عدة قوى كبرى إلى قوى عظمى، وينتهي الانفراد الأمريكي بهذا النظام. فضلاً عن الانسحاب التدريجي لواشنطن من منطقة الخليج الاستراتيجية.
هذه المستويات الثلاثة من الصراع تخلق ضغوطات هائلة على دول حديثة النشأة كدول الشرق الأوسط ومن بينها دول مجلس التعاون الخليجي التي لم تعتد خلال القرون الخمسة الأخيرة على ذاتها في الدفاع عن أمنها، بل دائماً ما كانت تعتمد على القوى الأجنبية.
الامتحان الأصعب تمر به دول مجلس التعاون اليوم نتيجة صراعات كبيرة بمستوياتها الثلاث تضغط عليها من أجل أن تدخل مسار التقسيم، ويزداد عددها إلى أكثر من ست دول. لذلك فإن التعامل مع التحديات الداخلية والإقليمية والدولية بنمط الثمانينات أو التسعينات لم يعد مجدياً، ولابد أن تتحمل حكومات وشعوب دول المجلس المسؤولية في مواجهة هذه التحديات بالاعتماد الذاتي، بدلاً من اللجوء إلى هذه القوى أو تلك، لأن مسار التقسيم مازال قائماً وستظل فرصه كبيرة إذا استمر التعامل التقليدي مع مخاطر وتحديات المنطقة.