ناقش مجلس النواب خلال الجلسة السابقة جريمة وضع الأجسام الغريبة في الأماكن العامة والطرقات بهدف ترويع الناس، والحمدلله أن القانون مرر بتشديد العقوبة بالسجن لمدة عشر سنوات، وإلغاء المادة التي تجعل هذه الجريمة عملاً غير إرهابي، بحيث تتدرج العقوبة لتصل إلى السجن خمس سنوات فقط، وهذا شيء يحسب لمن أيد التشديد الذي يأتي مناسباً مع التحديات الأمنية في البحرين.
ما استوقفنا في هذه المسألة الفكر الذي طرح داخل مجلس النواب، والذي كشف عن قناعة موجودة فعلاً عند بعض الفئات بالمجتمع، يستشعرها المرء، وهو يتصفح تعليقاتهم على مواقع التواصل الاجتماعي، ويقترب مما تحمله مخيلات بعض المضللين المغرر بهم من الشباب الموجودين، بأن ما يقومون به يعد من مزاعم أعمال البطولة والشجاعة وأن المسألة بدأت تتحول إلى ما يشبه لعبة «الشرطة والحرامية» أو «البرنامج»!!
ما لفت نظرنا، اعتراض النائب مجيد العصفور على حذف المادة مبيناً أن «أي محاولة لوضع الأجسام الغريبة سيجعل منها عملاً إرهابياً في حين أن دوافع ذلك قد لا تكون بدافع الإرهاب»!، لو بندخل في سوالف النوايا مو بس في هالجريمة حتى في جرائم القتل والسرقة عمرنا أصلاً ما بنخلص!
دائماً ما نشدد على ضرورة عدم وضع المبررات للأعمال الإرهابية، لأن الأصوات التي تشكك في نية ارتكاب الآخرين للجريمة الإرهابية تتسبب في مشكلة تضاهي مصيبة الأعمال الإرهابية نفسها وربما أكبر منها، فمشكلة البعض - وهو سلوك ملاحظ منذ أيام أزمة البحرين الأمنية - إنهم دائماً ما يوجدون الأعذار كمثل ما ذكر من أن «شباب بحريني تعرض لتضليل هائل على مستوى تمجيد الأعمال الخارجة عن القانون وتصويرها كأعمال بطولية»، ثم استدل على ذلك بالقول «إن هناك الكثير من رجال الدين والأكاديميين انجرفوا خلف بعض الشعارات التي أتت مع ما سمي بـ «الربيع العربي» فكيف بمراهقين؟» ولا ندري ما علاقة ثورات «الربيع العربي» بمسألة نشر الأجسام الغريبة في الشوارع وتعطيل حياة الناس، ثم إن ثورات «الربيع العربي» قد تم التعامل معها وشبه انتهت، بينما في البحرين الوضع مختلف، فالمغرر بهم يمارسون الإرهاب لعرقلة حركة المواطنين والتسبب بالازدحامات وإرهاب المواطنين والمقيمين التي قد تستغلها أطراف أخرى وتجعلها حقيقة بحيث لو «داقلها مواطن» لربما انفجرت فيه! ولا يمكن منطقياً اللعب بالنار في هذه المسألة وترك الأمور إلى النوايا!
العذر الذي نجده طامة أكبر عندما قال «هناك البعض ممن يقوم بهذه الأعمال قد يستهويه حب الظهور أو بعضهم يعاني من مشاكل أسرية أو البعض يريد لفت نظر من قبل حبيباتهم، فالكثير منهم وخاصة صغار السن والمراهقين لا يعون خطورة ما يقومون به، فهل نحاكم كل هؤلاء في ضوء قانون الإرهاب؟». لا عيل خل القرعة ترعة وهالمراهقين يعيشون جوهم فأهم شي حبيباتهم وحب الظهور!
انظروا لدول الغرب، التي تنادي بالديمقراطية وكيف تتعامل مع أي شرارة تستشعر من ورائها خطر الإرهاب، كالطالب الأمريكي السوداني الأصل أحمد محمد الحسن الذي ابتكر ساعة رقمية أخذها إلى مدرسته، فاشتبهوا فيها أنها قنبلة ووجد نفسه مصفد اليدين وضباط الشرطة يحققون معه، وكذلك الطالب المسلم في بريطانيا الذي قام بخطأ إملائي بسيط بحيث كتب في حصة اللغة الإنجليزية أنه «يعيش في بيت إرهابي» «terrorist house» بدلاً من أنه «يسكن في أحد البيوت المتلاصقة» «terraced house» وبسبب هذا الخطأ غير المقصود في عدة حروف اضطر للمثول أمام الشرطة البريطانية التي قامت بتفتيش منزله!
ولا ننسى أن الحكومة البريطانية قد طرحت مشروع قانون في يوليو الماضي لمحاربة التطرف في المدارس والجامعات والمعاهد يلزم المدرسين بالإبلاغ عن الطلبة الأكثر عرضة للتأثر بالآراء المتطرفة ولم يخرج نائب واحد ليقول إن هؤلاء مراهقون أو طلبة ويبرر سلوكهم أو فئاتهم العمرية! وكان التفسير المنطقي للقانون أن الهدف منه هو حماية المواطنين من التأثير الخطير للأفكار المتطرفة التي يتم استخدامها لتبرير الإرهاب على حد تعبيره بمعنى أن القانون البريطاني لا يتعاطف ليس مع من يقوم بالإرهاب بل من يلجأ لتبريره!
أغفل سعادة النائب وهو يقدم مبرراً آخر بادعاء أن الحبس يكلف الدولة اجتماعياً واقتصادياً وحقوقياً، بحيث إن الاشتباه بالجسم الغريب عند الجهات المختصة يعني التعامل معه كما لو أنه جسم حقيقي بمعنى يأتي الفريق المختص بالأجسام الغريبة والقنابل ويتعامل بإجراءات أمنية مشددة وكأنه جسم حقيقي لتأمين السلامة وحفاظاً على الأرواح، وفي كل مرة تصرف ميزانية بسبب تكاليف التعامل وعملية المعاينة! كما إنه يكلف الدولة اقتصادياً من ناحية تعطيل الناس عن الوصول لأعمالهم واجتماعياً وحقوقياً بتعطيل حياة الآخرين وتعريضهم للخطر!
وكما قال النائب محمد الجودر نحن نتكلم عن إرهاب الناس والوافدين ونحن لسنا في مهرجان، ونزيد على ذلك هذا إرهاب وليس برنامج «عرب جوت تالنت» لاكتشاف المواهب وحصد الشهرة، ولا يمكن التعامل مع أرواح الناس وحياتهم وتعطيلها بهذا الاستخفاف، وعلى «قصة روميو اللي يبي يلفت نظر حبيبته، ما لقى إلا القنابل الوهمية عاد»!