أربع قوى كبرى تسعى اليوم لأن تسيطر بنفوذها على منطقة الخليج العربي بعد انسحاب واشنطن التاريخي منها، وهو الانسحاب الذي يجري حالياً بهدوء بالغ، وهي روسيا، والصين، والهند، وبريطانيا.
لكل دولة من هذه الدول مصالح محددة في المنطقة، ورؤية للنفوذ المستقبلي، فموسكو ترى في المنطقة مركزاً استراتيجياً للنفط بخلاف ما تراه واشنطن، بالإضافة إلى أن الرؤية الروسية تهتم كثيراً بالقدرة الشرائية الضخمة للسلاح، وهو ما تملكه ويمكن أن تقدمه لدول المنطقة من إيران مروراً بالعراق وصولاً إلى دول مجلس التعاون الخليجي.
أما الصين التي مازالت تعتمد في سياستها الخارجية على البعد التجاري والاقتصادي، فإنها ترى في المنطقة قوة شرائية كبيرة، ولديها اهتمام لافت بأن يكون الخليج العربي بوابة دولية لإعادة تصدير منتجاتها مع تزايد حجم التجارة الخليجية ـ الصينية خلال عقد واحد على الأقل.
بالمقابل فإن نيودلهي لم تحدد حتى الآن رؤية واضحة تجاه المنطقة، ولكنها تدرك جيداً حجم نفوذها الديمغرافي، والاجتماعي، والثقافي، خاصة مع اعتماد دول المنطقة على عمالتها المندمجة في هذه المجتمعات والذي يتجاوز عددها 5 ملايين نسمة في جميع دول مجلس التعاون. وهذه المزايا تعطيها فرصاً واسعة لنفوذ حالي ومستقبلي هائل.
بالنسبة للمملكة المتحدة، فإنها القوى الكبرى الوحيدة التي تملك الخبرة السياسية الأطول في التعامل مع المنطقة ودولها وحكوماتها وشعوبها بسبب الخبرات الاستعمارية التاريخية السابقة. بعد انسحاب لندن عام 1971 من المنطقة، لم تمثل إعادة النفوذ البريطاني للخليج العربي أولوية، ولكنها اليوم باتت أولوية مع الانسحاب الأمريكي مع اختلاف المعطيات طبقاً لتحولات السياسة الخارجية البريطانية، وعملية إصلاح الجيش الملكي.
جميع هذه القوى الكبرى تبحث عن فرص للنفوذ في الخليج، ولكن السؤال ما الذي تريده دول مجلس التعاون الخليجي التي مازالت منقسمة حول هذه المسألة بشكل واضح؟
دول المجلس اعتادت كثيراً على تولي إحدى القوى الكبرى مسألة الأمن الإقليمي، وتعاقبت على هذه المهمة قوى عديدة بدءاً من البرتغاليين، والهولنديين، ثم الإنجليز، وأخيراً الأمريكيين. ولكنها لم تجرب منذ العام 1507 أن تتولى هذه المسؤولية بنفسها.
الوقت حان لأن تتولى دول المجلس مسؤولية أمنها والدفاع عن مصالحها الداخلية والإقليمية والدولية بنفسها بعد أن تابعت النخب الحاكمة في هذه الدول طوال خمس قرون تبدل المصالح، وتغيّر التحالفات، والمتضرر الأكبر دائماً حكومات وشعوب هذه الدول.
المطلوب الآن تحالفات غير تقليدية تساهم في توسيع هامش المرونة لدول مجلس التعاون على صعيد سياساتها الخارجية، وعلى صعيد قوتها الصاعدة عسكرياً على الأقل.
والحقيقة الأهم، أن النظام الدولي بدأ بالانتقال من الأحادية القطبية التي انفردت بها الولايات المتحدة منذ تحرير الكويت عام 1991 إلى التعددية القطبية، ولذلك من المهم العمل على دعم هذا التحول إقليمياً، فليس من مصلحة دول مجلس التعاون الاستمرار بتحالفات مع القوى العظمى، بل من مصلحتها تشكيل تحالفات مع مجموعة من القوى الكبرى المرشحة للتحول إلى قوى عظمى. والتحالف المطلوب من شأنه أن يساهم في الحد من أي مضاعفات للنسخة الثانية المرتقبة من «الربيع العربي».