ظروف النسخة الأولى من «الربيع العربي» معروفة بحالات الافتعال فيها، ولكن النسخة الجديدة منه ظروفها مختلفة تماماً، فهي تأتي أولاً في لحظات شعوب المجتمعات المستقرة وغير المستقرة تعاني كثيراً من تحديات اقتصادية ومالية، وهو ما اضطر حكومات هذه الدول وأبرزها دول مجلس التعاون الخليجي لاتخاذ إجراءات قاسية لمواجهة الأزمة المالية التي خيّمت على العالم منذ أغسطس 2014.
وعلى المستوى الإقليمي هناك حروب إقليمية تشارك فيها دول المجلس في الشام واليمن على وجه التحديد، فضلاً عن انتشار الفكر الثيوقراطي المتطرف، واستمرار التدخلات الإيرانية.
هذه هي الظروف، فما المتوقع منها؟
بالنسبة لأزمة النفط فإن مخاطرها من تحول الرأي العام الخليجي من مرحلة الاستياء إلى مرحلة تنظيم الاستياء، والأخيرة هي التي يمكن أن تحدث فيها احتجاجات شعبية واسعة النطاق للتعبير عن رفض هذه الشعوب التي عاشت حياة ريعية طويلة لحكوماتها أو النخب الحاكمة فيها، رغم القناعة بقوة العلاقة بين الطرفين وقوة الحد الأدنى والمتوسط من الثقة السياسية بينهما.
قدرات حكومات دول مجلس التعاون في احتواء أي احتجاجات شعبية ستكون مختلفة في النسخة الثانية من الربيع العربي، فرغم قطع العلاقات وخفضها مع طهران للحد من تدخلاتها في الشؤون الداخلية، إلا أن لطهران جماعات نائمة وبعضها نشط، فضلاً عن انشغال المؤسسات الأمنية بعمليات عسكرية في الخارج.
أيضاً قدرات الحكومات الخليجية ستكون متباينة كثيراً عما كانت عليه قبل 6 سنوات على سبيل المثال. والمعادلة تقوم على القدرة على الاحتواء السياسي كلما زادت القدرات الاقتصادية، أي أن العلاقة بينهما طردية. والوضع الآن في الربع الأول من 2016 مختلف تماماً، فالحكومات الخليجية لا تملك تلك الوفورات التي كانت لديها في فبراير 2011 عندما كان سعر النفط 96 دولاراً للبرميل، بل وصل برميل النفط مع مطلع فبراير الجاري إلى 30 دولاراً.
انشغالات ثلاثة تواجهها الحكومات الخليجية الآن، وهي؛ الانشغال بالتحديات المالية، والانشغال بالتحديات الأمنية، بالإضافة إلى الانشغال بالتهديدات العسكرية في الخارج، كلها تفتح المجال أمام وضع استثنائي في مجتمعات دول مجلس التعاون الخليجي.
والوضع الاستثنائي الذي تواجهه دول المنطقة، يمثل بيئة خصبة ويعطيها قابلية لعدم الاستقرار السياسي، وهو وضع سيستمر إذا كانت المعالجات أحادية من كل دولة، وليست جماعية تحت مظلة المنظومة الخليجية.