بينما كنت أهمّ بالخروج من سيارتي على شارع الشباب بالجفير، جاءني أحد الآسيويين من جماعات «فري فيزا» طبعاً، وقال لي: «أغسل سيارتك رفيق؟»، قلت له:لا، لكنه أصر بكل «وقاحة» على أن يقوم بتنظيفها حتى من دون رغبتي في ذلك. هو ليس الآسيوي الوحيد الهارب من قوانين الإقامة التي تفرضها الدولة، بل يوجد غيره العشرات من العمالة السائبة يعشعشون في أهم شوارع البحرين السياحية، تحت مرمى سيارات الأمن التي تمر عليهم كل يوم دون أن يهربوا أو يخشوا منهم، فما هو السبب؟
على فترات متفرقة من الزمن، كتبنا وكتبنا مرات ومرات عن ظاهرة العمالة السائبة في مختلف مناطق البحرين، خصوصاً في منطقة الجفير، التي تعتبر اليوم من أبرز المناطق السياحية في البلد، ومع ذلك لم نجد من الجهات المختصة أي تفاعل مع ما نقوم بنشره عبر الصحافة، وهذا ما يجعلنا نضع الكثير من علامات الاستفهام حول هذه الظاهرة التي بدأت تنتشر بصورة مرعبة في كل أرجاء الوطن.
يجزم بعض المواطنين أن من يقف خلف ازدياد ظاهرة العمالة السائبة وعدم انحسارها هو بسبب بعض المتنفذين و«الهوامير» الذين لهم مصالح كبيرة وكثيرة يجنونها من وراء هذه الجماعات الهاربة من قانون الإقامة في البحرين، إذ إن بعض أولئك يتقاضون مبالغ ضخمة وخيالية من العمالة السائبة دون عناء أو جهد، مما يجعلهم لا يكترثون بالقانون، فمصالحهم الشخصية أهم بكثير من مصلحة البلاد.
ليس هذا هو الأثر السلبي الوحيد على سمة البحرين، بل أن انتشار ظاهرة العمالة السائبة ربما تورط الدولة، وذلك حين تتحول من ظاهرة محلية إلى جريمة دولية بلحاظ كونها - العمالة السائبة - من أبرز مضامين الاتجار بالبشر، وهذا ما يجب أن تلتفت إليه الحكومة بعيداً عن المجاملات لجماعات المنافع الخاصة، فوقت تتحول ظاهرة تهريب العمالة السائبة غير القانونية إلى الشوارع من أجل الاسترزاق بأية كيفية كانت ولو على حساب كرامتهم وإنسانيتهم ستأتي المحاسبة الدولية، فهناك الكثير من المنظمات الخاصة بمراقبة أوضاع العمالة عبر العالم قد تحرج الدولة بسبب متنفذ لا يهتم بسمعة الدولة!
منذ أكثر من عشرة أعوام ونحن نكتب في هذا السياق، لكن حين نجد أن أهم شوارع البحرين تكتظ بالعمالة السائبة دون خوف من القانون ورجال الأمن، فتيقن أن «الفتق اتسع على الراقع»، وأن الحلول المقترحة لذلك تبدو أصغر من حجم المشكلة، بل يؤكد لنا هذا الوضع، أن «التراخي» هو عنوان المعالجة لأمر لا يمكن إنكاره أو تغافله، وعليه نناشد الجهات المختصة، وعلى رأسها هيئة تنظيم سوق العمل ووزارة الداخلية بحلحلة هذا الملف الذي بات ينخر في اقتصاد الدولة وسمعتها على وجه السرعة. ربما عالجت هيئة تنظيم سوق العمل بالتعاون مع وزارة الداخلية بعض من تلكم التجاوزات في الفترات الأخيرة، لكن سرعان ما تعود الظاهرة إلى السطح من جديد، فالمطلوب إذً هو أن تضع الجهات المختصة حلاً جذرياً يحميها من المساءلة، ويحمي الوطن من كل شخص لا يكترث بسمعته وبثقافته وعاداته الاجتماعية، ويضغط بشكل مريع على اقتصاده ومستقبله، فالبحرين فوق كل اعتبار، هذا هو شعارنا الدائم، الأول والأخير.