لأن جزيرة «قيس» ضاعت منذ زمن بعيد وأنستنا إيّاها كل مكتسباتنا الثقافية، وتعمدت المناهج الدراسية ألاَّ تتطرق لها، فإن قليلاً منا يعرفها. وهي جزيرة عربية منذ فجر التاريخ، والتي سميت نسبةً إلى قيس بن عميرة منذ العصور الجاهلية، وسكانها الأصليون عرب، حكمهم قبائل آل علي، البشر، البوعينين. ولكن أين هي «قيس» الآن؟! بعد أن أصبحت «كيش» أو «كيشي»على كل الخرائط!!
إن المتابع الجيد لقضايا الخليج العربي والأساليب الناعمة للقوة الإيرانية، يدرك أن الاقتصاد لعب دوراً مهماً في تثبيت النفوذ الإيراني في المنطقة إلى حد كبير لاسيما في أعقاب الحرب العالمية الثانية وقبيل الانسحاب البريطاني من الخليج العربي. ولأن الاقتصاد مازال واحدة من الأدوات التي تلوح بها إيران بين الفينة والأخرى، فإنها اليوم تبعث برسائلها المهددة لنهضة دبي الاقتصادية، بدعوى خبر تم الترويج له مؤخراً حول المساعي الإيرانية لتحويل «كيش» إلى سوق حرة!! فهل تهدد «كيش» عرش دبي كما تم تداوله فعلاً؟!
من المثير للسخرية.. أن تتنفس «الدولة» الإيرانية الصعداء بعد رفع العقوبات الاقتصادية بسوق «كيش» الحرة المزعومة، متغاضية عن كونها لعبة الملالي الذين تفننوا في اللعب بمقدرات الشعب الإيراني، وهو المصير الذي ستؤول إليه «كيش» كذلك، ولكن ما ضمانات ألاَّ تعود تلك العقوبات مجدداً مع تاريخ إيران الطويل الفوضوي في التعنت؟! ولو لم تعد العقوبات وتحققت ضمانات ذلك - قبيل تجمد الجحيم بقليل - هل سيجد المستثمر الأجنبي ما يتمناه في «كيش» إيران كما هو الحال مع دبي؟!
«كيش» التي نتحدث عنها، حولها شاه إيران محمد رضا بهلوي في سبعينات القرن الماضي، وجهةً للقمار وقضاء العطلات، يستقبل مطارها علية القوم من باريس لحضور عروض الأزياء. ولعله من المضحك المبكي أن تروج إيران لمشروعها الاقتصادي العظيم بمحاولة بائسة لتغيير سمعة الاحتلال الإيراني للجزيرة، بالتأكيد على أن إغلاق الكازينو الموجود بالجزيرة جاء في أعقاب الثورة الإيرانية الإسلامية عام 1979، وأنه لن يكون مسموحاً في جزيرة «كيش» بوجود المشروبات الكحولية، إلى جانب وجوب تغطية النساء رؤوسهن أثناء السير في الأماكن العامة، معللة رسوخ هذه المبادئ في الثقافة الإيرانية منذ زمن بعيد!! ففي الوقت الذي تحاول فيه تطهير سمعة الجزيرة بمنظورها الضيق، تبدو أكثر تضييقاً وتعنتاً وصلابة من ذي قبل، وتناقض نفسها أمام العالم أجمع مبرهنة أن «إيران لن تتغير أبداً».
* اختلاج النبض:
موت مشروع «قيس» موجود في بذرتها، حيث تريد إيران «قيس» جزيرة حرة، لكنها تريد للمرأة فيها أن تلبس «الشادور»، وهو ما سيجري مع حرية التجارة، إذ ستصر كذلك على أن تبقى كل الأمور تقودها عقلية الملالي. فيا أهل دبي «لا خوف عليكم ولا أنتم تحزنون»، إن كان هؤلاء هم الخصوم!!