الله يحبك والله يسعدك والله يرزقك والله يعطيك الروح لتقوم بإنجاز مهمتك الدنيوية ويعيدك إليه بعد الانتهاء من أداء هذه المهمة دون تأخير أو تقصير.
من هنا حينما نقول الله محبة، فكل الظواهر والمظاهر التي خلقها في هذا الكون غير المحدود والمتوسع بشكل لا نهائي، يخضع لهذه المحبة غير المشروطة، ويأتمر بأمرها، ويسير ضمن الخطة الربانية التي خلقها له. من هنا فالعبد الصالح هو من يقوم بتنفيذ هذه المحبة على غيره من سائر المخلوقات. أن تحب الله معناه أن تحب كل ما خلقه الله، فلا تتبرم ببرد الشتاء، ولا تشكو من حرارة الصيف ولا ترفس اللقمة التي منحك إياها، ولا تعتدي على غيرك من بشر ومخلوقات. فليس بالكلمات تكون المحبة، بقدر ما هي أفعال وسلوك يومي تقوم به لوجه الله.
ودائماً ما أكرر أن من يحب الله لا يمكن أن يكره أحداً وحتى لو كان هذا الشخص سيئاً لدرجة كبيرة، وأعتبر أن كراهيتي لشخص ما، هي نوع من أنواع الكفر، لأنني أكره مخلوق الله، من الممكن أن أكره تصرفاته، أقواله، أفكاره، سلوكه، أفعاله السيئة، ولكن أن أكرهه كمخلوق، فهذا لا يجوز.
يقول عبد الله النباجي: دخلت السوق، فرأيت جارية ينادى عليها بالبراءة من العيوب، فاشتريتها بعشرة دنانير
فلما انصرفت بها، أي إلى المنزل، عرضت عليها الطعام، فقالت لي: إني صائمة، قال: فخرجت فلما كان العشاء أتيتها بطعام فأكلت منه قليلاً، ثم صلينا العشاء فجاءت إلي وقالت: يا مولاي، بقيت لك خدمة؟ قلت: لا..، قالت: «دعني إذاً مع مولاي الأكبر». قلت: لك ذلك، فانصرفت إلى غرفة تصلي فيها، ورقدت أنا فلما مضى من الليل الثلث ضربت الباب عليّ..، فقلت لها: ماذا تريدين، قالت: يا مولاي أما لك حظ من الليل؟ قلت: لا..، فذهبت فلما مضى النصف منه ضربت علي الباب، وقالت: يا مولاي، قام المتهجدون إلى وردهم وشمر الصالحون إلى حظهم، قلت: يا جارية أنا بالليل خشبة «أي جثة هامدة»، وبالنهار جلبة «كثير السعي»، فلما بقي من الليل الثلث الأخير، ضربت علي الباب ضرباً عنيفاً، وقالت : أما دعاك الشوق إلى مناجاة الملك؟! قدم لنفسك وخذ مكاناً فقد سبقك الخُدام، قال: فهاج مني كلامها وقمت فأسبغت الوضوء وركعت ركعات ثم تحسست هذه الجارية في ظلمة الليل فوجدتها ساجدة وهي تقول: «إلهي بحبك لي إلا غفرت لي». فقلت لها: يا جارية.. ومن أين علمت أنه يحبك؟ قالت أما سمعت قول الله تعالى «يحبهم ويحبونه»، ولولا محبته ما أقامني وأنامك.. فقلت: اذهبي فأنت حرة لوجه الله العظيم..
فدعت ثم خرجت وهي تقول: هذا العتق الأصغر بقي العتق الأكبر، «أي من النار». يا جارية ومن أين علمت أنه يحبك؟ والجواب: لولا محبته ما أقامني وأنامك! ما أبسط الجواب وما أعظم المعنى، الله يحبك، اعكس محبته في داخلك، أحب نفسك كأجمل مخلوقات الله، أحب ما أنت تحيا فيه من خير ونعمة، أحب أرضك، أحب بحرك، أحب سماءك. أحب كل الناس في مجتمعك وخارج مجتمعك، كن في محبتك إنسانياً، لا تفرق بين دين ومذهب وجنس ولغة وجغرافيا، فقط كن إنساناً، فقط افعل هذا.