شكلت زيارة الرئيس الصيني شي جينبينغ إلى منطقة الشرق الأوسط قبل أيام نقطة تحول كبيرة في العلاقات الخليجية الصينية بوجه خاص، والعلاقات العربية الصينية بوجه عام، خاصة مع إعلان شي جينبينغ تقديم بلاده قروضاً واستثمارات بنحو 55 مليار دولار لدول الشرق الأوسط، بينها إنشاء صندوقين مع كل من الإمارات وقطر للاستثمارات المشتركة تبلغ قيمتها نحو 20 مليار دولار، بينما تسعى بلاده، ثاني أكبر اقتصاد في العالم، وأحد أكبر مستهلكي الطاقة، إلى تعزيز نفوذها في منطقة الشرق الأوسط على حساب أمريكا.
وإزاء العروض السخية، لفت الرئيس الصيني خلال جولته الإقليمية غير المسبوقة في المنطقة، إلى أن بلاده «لا تقوم بتنصيب الوكلاء ولا تبني مجال نفوذ» في الشرق الأوسط.
وفسر مراقبون ومحللون زيارة الرئيس الصيني للمنطقة والتي بدأت في السعودية مروراً بمصر، واختتمت في إيران، بأن الهدف منها في المقام الأول تعزيز الحضور الاقتصادي للعملاق الآسيوي في المنطقة، فتحركات الصين باتت مترجمة لعدة معطيات ودوافع، أهمها الحفاظ على استثماراتها وإمداداتها من الطاقة التي أصبحت مهددة في ظل الحروب المندلعة مؤخراً في المنطقة، فضلاً عن تنامي ظهور التنظيمات الإرهابية التي تمثل خطراً على الشرق الأوسط. وربما تهدف الاستراتيجية طويلة المدى للتنين الصيني إلى القفز فوق الخلافات بالمنطقة، باستخدام الثقل الاقتصادي لتعزيز التنمية والصفقات الاستثمارية مع من يريد ذلك.
وفي هذا الصدد، علقت صحيفة «واشنطن تايمز» الأمريكية على زيارة الرئيس الصيني للمنطقة بقولها إنه «في ظل تصعيد التوترات بين السعودية وإيران يعتقد البعض أن هدف زيارة الرئيس الصيني هي تعزيز الفكرة لدى الرياض وطهران بأنه سيكون من الحكمة احتضان الصين وليس واشنطن كشريك المستقبل».
وذهب المحللون إلى أن «الصين تريد أن يُنظر إليها على أنها القوة النامية التي تستطيع استعادة الانضباط في الشرق الأوسط المضطرب، حيث لم يعُد يُنظر إلى أمريكا على أنها القوة التي تهيمن على سياسات المنطقة، حيث تبدو سياسة واشنطن تجاه المنطقة مقلوبة رأساً على عقب، والصين تحاول أن تملأ الفراغ الحالي الذي خلفته أمريكا بالمنطقة، دون أن تنحاز لطرف على حساب آخر».
ورأوا أن «الصين مستعدة لأن يُنظر إليها على أنها القوة الخارجية المحايدة التي بإمكانها تقليص التوترات وتحقيق التنمية في وقت تفقد فيه أمريكا نفوذها، وربما مصداقيتها أيضاً»، معتبرين أن «توقيت تحرك بكين مناسب في ظل انخفاض أسعار النفط عالمياً».
وتعتمد بكين على الشرق الأوسط في القسم الأكبر من وارداتها النفطية، وإن كانت لا تتدخل عادة في التوترات والنزاعات في المنطقة بشكل مباشر، ومن ثم فإن نمو مصالحها الاقتصادية وتعطشها لمصادر مضمونة للطاقة أجبراها على اتخاذ موقف أكثر حيوية، بينما تميل إلى ترك سياسة الشرق الأوسط للأعضاء الأربعة الدائمين الآخرين في مجلس الأمن، أمريكا، وبريطانيا، وفرنسا، وروسيا.
ولاشك في أن النفط، والحصول على أسواق جديدة لمنتجات الصين، هما الأمران اللذان حملهما شي جينينغ على رأس قائمة اهتماماته خلال جولته التاريخية الأخيرة.
إلا أن بكين وقفت مؤخراً إلى جانب موسكو في مجلس الأمن في رفض إصدار قرارات تدين نظام الرئيس بشار الأسد في الحرب السورية المستمرة منذ نحو 5 سنوات، الأمر الذي فسره مراقبون بأن الصين استوعبت خطأ ربما تعتقد أنها وقعت فيه عام 2011 عندما امتنعت عن التصويت في مجلس الأمن، لتوفر غطاء لتدخل حلف شمال الأطلسي «الناتو» في ليبيا، للإطاحة بنظام الرئيس معمر القذافي، الأمر الذي أدى إلى خسارة بكين نفوذاً اقتصادياً كبيراً في البلد، ومن ثم اقترحت في الفترة الأخيرة لعب دور الوسيط بين النظام السوري والمعارضة واستقبلت مبعوثين من الجانبين.
وخلال جولة الرئيس الصيني للمنطقة، اتفقت دول الخليج وبكين على تسريع وتيرة المحادثات حول اتفاقية التجارة الحرة التي يتم التفاوض عليها منذ أكثر من 10 سنوات، بينما التجارة بين تلك البلدان، آخذة في التزايد، ويسعى الجانبان لاستكمال اتفاقية تجارة حرة شاملة خلال 2016.
وفي مصر، وقع الرئيس الصيني اتفاقات اقتصادية باستثمارات بلغت 15 مليار دولار، بينما يبلغ حجم الميزان التجاري بين البلدين نحو 11 مليار دولار، حيث تعمل 1152 شركة صينية في مصر باستثمارات قدرها 506 ملايين دولار، 68% من هذه الاستثمارات في القطاع الصناعي.
وقبل أن يحط رحاله في القاهرة، دشن خادم الحرمين الشريفين العاهل السعودي الملك سلمان بن عبدالعزيز آل سعود، برفقة الرئيس الصيني، المشروع المشترك لتكرير النفط على البحر الأحمر، بتأسيس شركة «ينبع أرامكو ساينبوك للتكرير، «ياسرف»»، بطاقة 400 ألف برميل يومياً. كما وقعت الرياض وبكين 14 اتفاقية ومذكرة تفاهم في مجالات التعاون الاقتصادي، بينها مذكرة تفاهم لإقامة مفاعل نووي ذي حرارة عالية ومبرد بالغاز، إضافة إلى إقامة آلية للتشاور حول مكافحة الإرهاب، في تكليل لعلاقات وروابط دبلوماسية نسجت قبل 26 عاماً، حيث تعد السعودية أكبر مزودي الصين بالنفط الخام، بينما يبلغ حجم التجارة بين البلدين نحو 69.1 مليار دولار.
والجدير بالذكر أن السعودية قدمت للصين مساعدات بأكثر من 60 مليون دولار عقب زلزال سيشوان عام 2007، وهي أكبر مساعدة خارجية تسلمتها بكين آنذاك.
ولم تقف استثمارات الصين في المنطقة عند ذلك الحد، بل امتدت إلى الجزائر التي لجأت إلى بكين لتمويل عدة مشاريع للبنية التحتية تشمل ميناء جديداً باستثمارات 3.2 مليار دولار.
وهناك مؤشرات على أن الصين تهدف لتطوير موطئ قدم عسكري لها بالمنطقة بإنشاء أول قاعدة بحرية في جيبوتي، شرق أفريقيا، لتقديم دعم لوجستي للدوريات الصينية لمكافحة القرصنة بمنطقة القرن الأفريقي وبحر العرب.
* وقفة:
الصين أكبر مستورد لنفط الشرق الأوسط، لذا فاستقرار المنطقة ما ترغب الصين في رؤيته، وبالتالي فهي تخطو بثبات لتحل محل أمريكا كأكثر دولة خارجية نفوذاً بالشرق الأوسط، وكشريك استراتيجي مستقبلي لتلك الدول، خاصة وأن سياسة الرئيس الأمريكي باراك أوباما لم تكن ناجحة باعتمادها على منطق إدارة الصراعات وليس حلها أو إنهاؤها.