لم أكن أتخيل أن دولة العراق يمكن أن تصرخ وتنتفض وتنزعج لمجرد حديث عابر لسفير خليجي، وهي المستباحة طولاً وعرضاً، للقاصي والداني من أمريكي إلى إيراني..
كل هذه الصحوة والغيرة العراقية التي تفجرت في دماء المسؤولين العراقيين جاءت في أعقاب تصريحات السفير السعودي في العراق ثامر السبهان، ولكن منذ متى كان عند المسؤولين العراقيين أصلاً (.....)؟!
دعنا أولاً نلقي الضوء على ما قاله السفير السبهان في حديثه لبرنامج حوار خاص الذي بثته «السومرية»:
- «لمست غضباً من قبل جميع من قابلتهم من السياسيين والأخوة السنة في العراق على المملكة العربية السعودية (...) قالوا لي أنتم غبتم عنا وجعلتمونا نواجه مصيرنا لوحدنا (...) إيران تتدخل في الشؤون العراقية الداخلية بشكل واضح ومن خلال إنشاء ميليشيات مسلحة».
- «من يقف وراء أحداث المقدادية ليسوا أقل من «داعش»، وهي محاولة لتغيير ديمغرافي بعد خسارة الشيعة بالانتخابات الأخيرة».
- «لماذا يوضع كل السلاح بيد الحشد الشعبي فقط وهل تقبل الحكومة العراقية بتشكيل حشود سنية؟».
وسواء كنت أتفق أو أختلف مع ما قاله السفير السبهان، إلا أنك يا سيدي الكريم لو حاولت قراءة ما قاله، قراءة متجرّدة من العواطف والشعارات والطائفية، ستدرك فعلاً بأن كل ما قيل، هو الواقع والحقيقة التي يعيشها أهل السنة والجماعة في العراق المحتل.
وهو ليس بالأمر السر، فالعالم من مشرقه إلى مغربه يعلم علم اليقين أن ما يجري الآن في المقدادية والتي يقطنها غالبية سنية، هو حلقة جديدة من حلقات الحرب على أهل السنة في المنطقة من قبل الميليشيات الطائفية الشيعية المدعومة مباشرة من إيران.
جرائم الحشد الشيعي، ليست بالأمر الجديد، فمنذ سنوات طويلة وهي ترتكب حملات تطهير طائفي في محاولة لتغيير التركيبة السكانية لحساب المكون الشيعي تحت حماية الحكومة العراقية خصوصاً في فترة نوري المالكي، وتحت مسامع وأنظار ما يسمى بمنظمات حقوق الإنسان العالمية، والتي تتعمد تجاهل هذه المجازر لأن دم الضحية من فصيلة السنة.
في أغسطس 2015 وفي محاولة للبس قناع الإنسانية، أصدر مركز جنيف الدولي تقريراً وحيداً ويتيماً عن التطهير العرقي في ديالى بعنوان «جريمة التطهير العرقي في ديالى»، قال فيه إن «محافظة ديالى تشهد انتهاكات واعتداءات واسعة من قبل الميليشيات الشيعية، ضد السكان السنة، وخاصة في المقدادية»، واتهم التقرير رئيس الوزراء العراقي حيدر العبادي والسابق نوري المالكي، والعديد من المسؤولين العراقيين، بارتكاب جرائم تطهير عرقي في ديالى، وأشار المركز إلى أن «الحكومة العراقية شريكة بالتطهير العرقي الذي تنفذه الميليشيات ضد السنة في العراق، والذي لم يحدث منذ الغزو الأمريكي للعراق عام 2003».
ومع ذلك، سنركن ما قلناه على جنب، وسنكون منصفين، متجردين من أي عواطف أو انتماءات مذهبية، وسنقر بأن كل ما قاله السفير السبهان يعد تدخلاً في الشؤون الداخلية للعراق، وسنعتبره أمراً مرفوضاً!!
ولكن ماذا عن تصريحات المسؤولين العراقيين ومن بينهم رئيس الوزراء حيدر العبادي المنددة بإعدام الإرهابي نمر النمر، ألا يعد ذلك تدخلاً في الشؤون الداخلية للملكة العربية السعودية؟؟
وإذا كان تصريحات السبهان تدخلاً في شؤون العراق، ماذا نسمي تواجد الجنرال الإيراني قاسم سليماني بشكل دائم في العراق، قبل أن يصاب مؤخراً في سوريا، ويموت سريرياً، وإن شئت أمثلة على ذلك، ستجد في السطور التالية غيضاً من فيض:
في يوليو 2014، اعتبر رئيس لجنة العلاقات الخارجية مع العراق في البرلمان الأوروبي ستراون ستيفنسن أن رئيس الوزراء نوري المالكي ليس سوى موظف صغير عند المرشد الأعلى في إيران علي خامنئي، وأن الحاكم الحقيقي في العراق هو قائد فيلق القدس التابع للحرس الثوري الإيراني الجنرال قاسم سليماني.
سليماني الذي ظهر في مقاطع فيديو عدة برفقة رئيس منظمة «بدر»، هادي العامري، وكتائب «حزب الله»، وأبو مهدي المهندس في جبهات القتال التي تشهدها بعض مناطق العراق، لتؤكد ما قاله علي يونسي، مستشار الرئيس الإيراني، حسن روحاني: «أن إيران اليوم أصبحت إمبراطورية وعاصمتها بغداد»، ولتثبت دليلاً غير قابل للنقض، على أن إيران لا تدير العملية السياسية في العراق فحسب، بل هي محتلة للعراق.
البلد التي غضبت من السفير السبهان حين قال الحقيقة وخرست أمام سليماني والذي وقف في يناير 2015 مهدداً رئيس وزرائه حيدر العبادي بالإقالة من منصبه في حال حاول منع الحشد الشعبي الشيعي من المشاركة في معركة الفلوجة، وعاد في نوفمبر 2015 وهدد العبادي بالإقالة في حال قدم المالكي إلى المحاكمة بتهمة الفساد، البلد هذه يا سادة تسمى، العراق المحتل!!
لست أرجو من الله قبل أن أترجل من صهوة مقالي، سوى أن يرزق المسؤولين العراقيين ضميراً يرق على أبناء شعبهم المظلوم!!