قبل أن نلقي بظلالنا على ما يجري في تونس من أحداث عنف مؤسفة، من المهم أن نطرح ما جرى خلال الأيام الماضية حتى نضع أنفسنا في الصورة وفي عمق المشهد التونسي بالكامل.
وهنا سنبدأ من الأخير، حيث تقول الأخبار الواردة من تونس بأن الحكومة التونسية فرضت حظراً للتجوال الليلي في البلاد إثر الاحتجاجات التي شهدتها عدة مدن تونسية. وكان رئيس مجلس نواب الشعب التونسي، محمد الناصر قد دعا البرلمان إلى عقد جلسة استثنائية لبحث تطور الأوضاع الاجتماعية والأمنية على خلفية الاحتجاجات التي تشهدها مدن البلاد. يأتي ذلك فيما دعا الأمين العام لاتحاد الشغل، حسين العباسي، في لقاء إذاعي إلى حوار وطني يجمع الأحزاب الممثلة في البرلمان مع اتحاد العاطلين عن العمل لمناقشة سبل التنمية وإيجاد حل لأزمة البطالة. أما في الشارع، فامتدت موجة الاحتجاجات التي تشهدها المدن الـتونسية لتصل لمدينة سيدي بوزيد التي انطلقت منها شرارة «الربيع العربي». وبسبب عدم تمكن السلطات من احتواء الاحتجاجات، قرر رئيس الوزراء الحبيب الصيد اختصار جولته الأوروبية والعودة سريعاً إلى بلاده. ولاتزال تونس تشهد موجة احتجاجات في مختلف المحافظات للمطالبة بالتنمية وإيجاد فرص عمل، احتجاجات خرج بعضها عن الطابع السلمي، وتحول في مناطق عدة إلى أعمال نهب وتخريب لمحال تجارية وفروع بنوك، لاسيما في حي التضامن في العاصمة. أمَّا في محافظة القيروان، فقد اقتحم محتجون مخازن تابعة للديوانة التونسية، وسرقوا محجوزات وسلعاً، وأضرموا النار في آلية إطفاء للدفاع المدني.
هذه الأحداث المتسارعة في تونس تضعنا أمام عدة مشاهد قد تنعكس بصورة مباشرة على الأوضاع السياسية في العالم العربي، لعل من أبرزها هو عدم نجاح الحراك الشعبي الذي انطلق منذ رحيل الرئيس التونسي زين العابدين بن علي، إذ لم تحقق الثورة التونسية حتى بعض أهدافها ولو كان ذلك حاصلاً لما انتفض الشعب التونسي بالطريقة التي نسمع بها اليوم.
البعض يرون عكس ذلك، بل يجزمون بأن الثورة التونسية هي من أفضل وأنجح الثورات العربية التي حصلت في الوطن العربي وأنها حققت خطوات ناجحة جداً على مستوى إنشاء دستور عقدي، لكنها لم تستطع أن تخلق توافقاً بين السلطة وبقية مكونات المجتمع المدني والشعب عموماً، مما أحدث هذا الأمر، عزلة بين النخب السياسية والمواطن التونسي البسيط، وعليه بدأ يشعر التونسي بأنه بات مهمشاً للغاية، على الرغم أنهُ من قام بالثورة قبل نحو خمسة أعوام مضت، ولهذا قامت الاحتجاجات الحالية باعتبارها امتداداً للثورة السابقة.
هنالك رأي يذهب إلى أن الثورة التونسية تعتبر من أنجح ثورات الربيع العربي، واستطاعت تخطي مرحلة الثورة إلى حيث الدولة، واستطاع التونسي أن يتجاوز مرحلة الدم إلى مرحلة ما بعد الدستور الجديد، ومن هنا قامت بعض الأيادي المشبوهة في تشويه وبعثرت كل الإنجازات التي تحققت في تونس الديمقراطية بإشعالها فتيل الفتنة الداخلية تحت مسمى محاربة «البطالة»، لأن تلك الأيدي لم ينجح أصحابها في الحصول على أيٍّ من المكتسبات السياسية، فقاموا بخلق فوضى عارمة بذريعة إحياء الثورة، مما سيجعل هذا الأمر الخطير أن تعود تونس للمربع الأول.
«للحديث بقية»