لا يمكننا أن نأخذ الزيارة المقبلة للرئيس الإيراني، حسن روحاني لفرنسا ودول أوروبية أخرى، بالتجاهل وعدم الاهتمام، ذلك أنها زيارة تكتسب أهمية خاصة في ضوء مجريات الأحداث والأمور في المنطقة والتي تتجه في سياق التكالب والصراع السياسي الجاري في المنطقة بين المساعي الجارية من جانب نظام ولاية الفقيه في إيران وبين شعوب ودول المنطقة الرافضة للدور الإيراني في المنطقة.
رئيس إيران، حسن روحاني الذي يزور إيطاليا والفاتيكان وفرنسا خلال الأيام المقبلة، يقوم بزيارته هذه وسط أوضاع غير طبيعية يغلب عليها التوتر في المنطقة، كما إنها تتزامن مع أوضاع استثنائية في داخل إيران من جراء الأوضاع الاقتصادية والمعيشية والاجتماعية بالغة السوء من جراء السياسات غير الحكيمة لطهران، هذه الزيارة التي يهدف من ورائها روحاني إلى كسب ود أوروبا عموماً وفرنسا خصوصاً إلى جانب طهران، يمكن تقييمها على أنها مسعى إيراني من أجل تحديد وتحجيم الدور العربي وخصوصاً الخليجي من جهة، والتغطية على انتهاكات حقوق الإنسان وتصاعد الإعدامات في داخل إيران وتزايد التدخلات الإيرانية في المنطقة من جهة ثانية.
زيارة روحاني التي ستبدأ اليوم، إلى إيطاليا والفاتيكان ومن ثم إلى فرنسا، تأتي بعد رفع العقوبات عن نظام ولاية الفقيه، يمكن اعتبارها محاولة لجس النبض من قبل هذا النظام على صعيدين محددين وهما:
أولاً: على الصعيد الدولي، أي أن هذا النظام يريد معرفة مدى التجاوب الدولي معه بعد رفع العقوبات ومعرفة الحدود والآفاق المحددة له للتحرك ضمن نطاقها.
ثانياً: على الصعيد الداخلي والإقليمي، من أجل طمأنة الشعب الإيراني والأحزاب والجماعات والميليشيات التابعة لطهران، بأن هذا النظام قد صار أمراً واقعاً وأن أذرعه ستكتسب شرعية كاملة على إثر ذلك.
روحاني وفي ضوء ذلك، يعتقد «كبقية القادة والمس?ولين الإيرانيين»، بأن رفع العقوبات يعني أنه لم يعد هنالك من عائق أو معوق أمام طهران وأن إيران ستعود للعب دور مميز على أكثر من صعيد، لكن وبحسب تقديراتنا المستندة إلى أسس ومعطيات، فإننا نعتقد أن فرنسا وبحكم تجربتها وسياستها ومصالحها وعلاقاتها المختلفة، فإنها لن تنساق وتنجرف في علاقاتها مع إيران، وهي قد تعلمت بحكم تجربتها السابقة مع العراق عندما انحازت إليه ضد إيران في الحرب يوماً، بأن تمسك العصا من الوسط، غير أن باريس وفي نفس الوقت تحاول إلى حد ما المراهنة على نظام «ولاية الفقيه» لاعتقادها بأنها ستستفيد منه اقتصادياً عبر مشاريع واستثمارات تم تصويرها لها من قبل النظام، وسيسعى روحاني للتأكيد على ذلك أثناء لقائه مع المسؤولين الفرنسيين واعتبار ذلك بمثابة مسار استراتيجي كبير.
السياسة الفرنسية الحالية المتبعة مع طهران والتي تعتمد على مبدأ «انتظر ونرى»، هي في الحقيقة سياسة غير مجدية ولا تمتلك أسساً وركائز قوية يمكن الركون إلى مساراتها ونتائجها النهائية، خصوصاً وأن لنظام «ولاية الفقيه» جملة خطوط ومسارات متباينة في سياستها العامة على أصعدة إيران والمنطقة والعالم، ومن العبث المراهنة على نظام بنى وجوده على أساس دولة تسعى لفرض نفسها على المنطقة من خلال سياسات أثارت وتثير الكثير من ردود الفعل الدولية والكثير من التحفظات على مختلف جوانبها.
دول الخليج العربي كانت المبادرة لاستقبال الرئيس الفرنسي فرانسوا هولاند لأول مرة في تاريخ مجلس التعاون الخليجي في مايو العام الماضي، وكرمته، وقد أرست لاتفاقات سياسية واقتصادية مثمرة ومفيدة للجانبين، وخصوصاً لفرنسا، باعتبار أن دول مجلس التعاون الخليجي تعتبر منطقة آمنة ومستقرة على مختلف الأصعدة على العكس تماماً من نظام «ولاية الفقيه»، الذي يمكن تصويره على أنه يقف على كف عفريت، لاعتبارات مختلفة، وإن من العبث والخطأ الفادح لفرنسا بناء علاقات متكافئة مع إيران ودول الخليج في نفس الوقت وجعلهما في كفة واحدة، ففي ذلك الكثير من الخلط والخطأ وعدم الوضوح، وإننا نرى بأن مصلحة فرنسا ومصالحها الاقتصادية بوجه خاص تعتمد على ترجيح الكفة لصالح دول الخليج العربي واعتبارها الأساس والقاعدة لها بهذا الصدد.
زيارة روحاني التي سيتم استقباله بتظاهرات ضخمة جداً من جانب العالم، هي زيارة تستهدف إلى التمويه على الفرنسيين بشكل خاص والأوروبيين بشكل عام من أجل مساعدة طهران للخروج من محنتها الحالية وتجاوز مشاكلها وأزماتها الخانقة واستغلال ذلك أمام شعبها بشكل خاص وشعوب المنطقة بشكل عام، من أجل الإيحاء بأن نظام «ولاية الفقيه»، قد تجاوز كل العقبات وكسب شهادة حسن سلوك دولية وأن زيارة روحاني لفرنسا وإيطاليا والفاتيكان دليل عملي على ذلك، ولكننا نتساءل: هل أنها حقاً كذلك وهل أن فرنسا سترتكب خطأ تاريخياً كبيراً؟
وأختم بأنه، لابد من التذكير والتأكيد على أن مصلحة فرنسا مع من يحترمها ويقدرها أي دول الخليج العربي، وليس مع من يستغلها ويستخدمها مثل إيران.
* الأمين العام للمجلس الإسلامي العربي في لبنان