بالرضا عما مضى، كما قال هو، غادر إبراهيم محمد جمعان هجرس واحدة من الساحات التربوية التي أثراها. ترك أبو خالد وزارة التربية والتعليم متقاعداً بعد «35» عاماً عامرة بالعطاء والإنجاز والتميز. غادرها محاطاً بحب من عملوا معه وتقديرهم وتثمين بصماته التربوية والإنسانية في تاريخ التعليم في المرحلة الثانوية. التأسيس والبناء كان جزءاً من تاريخه، ففضلاً عن تأسيسه لإدارة التعليم الثانوي بعد الهيكل التنظيمي الجديد عام 2006. فهو عضو مؤسس لجمعية «الوسط العربي الإسلامي»، وعضو مؤسس في جمعية «تجمع الوحدة الوطنية»، وهو من أوائل كتاب الأعمدة في صحيفة «الوطن» البحرينية بعد تأسيسها. تذكرني فلسفة التأسيس عنده، بتساؤلاتي حين آتيه محبطة مما يحدث في الواقع العربي مستسلمة للحلول الفردية، فيستنكر موقفي منحازا الالتحام مع الجماعة والأمة، فأجيبه متسائلة: وأين هي الجماعة الفاعلة؟ وأي أمة موجودة الآن؟ فيضحك مستنكراً، ثانية، ويجيب: الجماعة لا تأتيكِ جاهزة! الأمة تبنى وتتشكل من مجموعة من أصحاب المشاريع والطموحات، الأمة لن تتأسس أو يستعاد بناؤها بالروح الانهزامية! والذين عملوا مع الأستاذ إبراهيم جمعان في الحقل التربوي يدركون الكفاءة النوعية التي تميز بها. فإن تعمل معه فهذا يعني ألا يضيق فكرك وبصرك في اللحظة، وألا تتصور في مخيلتك أن التعليم حلقة مفردة ملقية في الصحراء. عليك أن تربط اللحظة بالماضي والمستقبل. والتعليم هو «ترس» في منظومة منتظمة الحركة تدفعه التروس التي تسبقه ويحرك هو بدوره باقي التروس في الاتجاه الذي سارت عليه كل التروس السابقة. وعليك أن تدرك قبل كل شيء بأن التعليم يتعامل مع بشر لا مع مجاميع من الآلات. وأن البشر، برغم ثبات حركتهم نسبيا، إلا أنهم دائما ما يفاجئونك بردود أفعالهم ومبادراتهم التي قد لا تكون مستعداً في خططك لمستجداتها. وهذا ما جعل الجانب الإنساني واضحاً وجلياً في تعامله من حوله. فقد كان مرناً متسامحاً معهم. وكان يمنح دعمه الدائم لمن يستحق من موظفيه ويثبت جدارته وكفاءته. يصعب عليّ أن أكتب عن تجربتي الشخصية في العمل مع الأستاذ إبراهيم جمعان، فقد كنت من أوائل الذين انضموا إلى إدارة التعليم الثانوي حين أسسها وعملت معه بشكل مباشر. ودائماً أردد أني تعلمت منه أكثر مما عملت معه. فالعمل معه يستدعي، أحياناً، من بعض حديثي الخبرة، أن يكونوا كالمريد للشيخ وكالتلميذ للفيلسوف، حيث ستختلف معه وترى طرحاً مضاداً لطرحه، ثم تمر السنوات وتكتشف خطأك. ثم ستحاول فهم منهجيته في قراءة الواقع، وفك شفرته في استشراف النتائج المستقبلية، وستعجب من قدرته على استدعاء الأفكار والمشاريع دون كلل أو ملل ودون الاكتراث بالتحديات أو العقبات. غادر إبراهيم جمعان الحقل التربوي الرسمي ولكن الكثيرين طالبوه بالاستمرار في مسيرة العطاء التربوي والبقاء على عهده في تقديم المشورة والنصح وطرح الأفكار المبتكرة. واليوم وأنا أكتب عن إبراهيم جمعان، فإني لا أجد تعبيراً أكثر صدقاً عن الوفاء والامتنان له من الكتابة عن مسؤول رفيع بعد أن ترك منصبه وتجرد من صلاحياته الوظيفية. فشكرا أبا خالد.. ولك من جميع الذين عملوا معك ودٌّ باتساع وطن.