ما كان متوقعاً حدث وصار حقيقة ملموسة، وبعض المستور في العلاقة غير المعلنة بين إيران والولايات المتحدة وما تضمنته الورقة السرية من الاتفاق الخاص بالملف النووي الإيراني انكشف، فإيران أعلنت بوضوح أن «الشيطان الأكبر» لم يعد شيطاناً بل إنه لم يكن كذلك أبداً، والولايات المتحدة أعلنت أن إيران «خيلي خوشن»، وقد لا يتأخر الوقت الذي يتم فيه الإعلان عن تنصيبها سيداً على المنطقة ووكيلاً حصرياً خصوصاً بعدما وفرت كل المطلوب منها وتعهدت بأن تكون الحارس الأمين على مصالح الغرب في هذه المنطقة.
تطور العلاقة بين إيران والولايات المتحدة يدفع نحو القول إن ما جرى من احتجاز سفينتين حربيتين أمريكيتين وأسر الجنود الذين كانوا على متنهما قبل يومين من رفع العقوبات والحرص على نشر صورهم وهم رافعون أيديهم على رؤوسهم ثم الإفراج عن السفينتين وطاقمهما ومسارعة وزير الخارجية الأمريكي جون كيري إلى تقديم الاعتذار عما حدث لم يكن إلا جزءاً من سيناريو متفق عليه لإظهار طهران في مظهر القوي الذي يحسب له ألف حساب ولا تستطيع حتى الولايات المتحدة أن تدوس لها على طرف، كما إن تبادل السجناء بين البلدين يسهم في بيان شكل المستقبل الذي ينتظر هذه المنطقة ويكشف بنداً من بنود الاتفاق السري، وما صرح به مسؤول أمريكي بالمناسبة وقوله إنه «لا علاقة لتوقيت صفقة تبادل السجناء برفع العقوبات عن إيران»، لا قيمة له ولا يعتد به، خصوصاً وأن من بين الصفقة قرار أمريكي «بإلغاء قرار استرداد 14 إيرانياً ممن تتهمهم واشنطن بشراء أسلحة مهربة».
وزير الإعلام الكويتي الأسبق سعد بن طفلة العجمي كتب في حسابه على «تويتر» هذه التغريدة التي اختصرت كل الموضوع «صفقة السجناء والعفو المتبادل والتخلي الأمريكي عن ملاحقة مطلوبين إيرانيين، أكبر دليل على تفاهمات أمريكية إيرانية تتجاوز بكثير البرنامج النووي».
الأيام المقبلة كفيلة بكشف جوانب أخرى من المستور وبنود الاتفاق السري الذي أبرم بين الجانبين، وإلا فما هو تفسير الحماس الأمريكي الذي لمسه الجميع لتوقيع الاتفاق وسرعة الموافقة عليه من قبل كل الجهات ذات العلاقة في الولايات المتحدة والاستعجال في تنفيذه؟ وما سر الفرحة التي لا شك في أن الجميع لاحظها في عيون المسؤولين الأمريكيين اليومين الماضيين والتي كانت مساوية للفرحة التي لوحظت في عيون الإيرانيين بل لعلها كانت أكبر؟
هذا واقع جديد ينبغي دراسته جيداً من قبل المعنيين بدول مجلس التعاون الخليجي، فالاتفاق بين الولايات المتحدة والغرب وإيران مسألة وراءها ما وراءها، والقصة لن تنتهي مع صفقة تبادل السجناء ورفع العقوبات الاقتصادية ولن تنتهي حتى مع فتح ألف فرع لمطاعم «ماكدونالدز» في إيران ولا ألف فرع لمطاعم «الجلو كباب» في الولايات المتحدة، فهناك الكثير من الذي «دبر بليل» لن تتأخر عن كشفه الأيام.
اليوم تعاني دول مجلس التعاون من انخفاض سعر برميل النفط الذي هوى إلى الحضيض، واليوم تعاني شعوبها من دعوة شد الحزام التي وجدت نفسها أمامها وجهاً لوجه وصار مطلوباً من محدودي الدخل تحمل المزيد من المحدودية والشح في المدخول، واليوم تعاني دول وشعوب التعاون أيضاً من الإرهاب بأنواعه والذي وصل حد تفجير المصلين وهم ساجدون في بيوت الله.
الواضح اليوم أيضاً أن إيران لعبتها صح، والولايات المتحدة لعبتها صح، ودول الغرب كذلك، فهل من صح بقي لتلعبه دول التعاون بعد كل هذه التطورات التي شهدتها العلاقة التي صارت مفضوحة بين إيران والولايات المتحدة؟
منطقاً لا يمكن للولايات المتحدة والغرب أن يتخلوا عن دول مجلس التعاون الخليجي بهذه البساطة، لكن منطقاً أيضاً أنهم لن يفرطوا في اتفاق مع إيران ظلوا يسعون إليه طويلاً.