لا يخفى على المتابع لقضايا الخليج العربي أن «إيران الثورة» غلبت «إيران الدولة»، تحقيقاً للحلم الذي رسمه الخميني لسنوات طوال، ووضع من أجله ذلك البناء المحكم لبقاء الملالي مائة عام وربما أكثر. فإيران الثورة لا يجب عليها أن تصبح الدولة التي تحد من تحركها الأعراف الدولية، ما دعاها للحرص على الاستمرار في ممارسة تصدير عدم الاستقرار وزعمها بدعم المستضعفين، كوجهين للثورة تسوقهما في الخارج لتخدير الداخل.
إلى جانب ذلك.. تعتقد إيران أنها شرطي الخليج بالفطرة، المعين إلهياً بحكم ما تحظى به من امتيازات جيوبوليتيكية، موقعها.. سكانها.. وصواريخها. ولأن إيران تنظر لنفسها بأنها الشرطي المؤهل مفتول العضلات طويل الشوارب، فإنها لا تقبل البتة بمنافسة خارجية من قبل شركة أمنية غربية أقل منها قدراً وتأهيلاً، فالأمريكيون والبريطانيون وحلف «الناتو» وجلّ القوى الغربية التي تدعي مهمة حفظ أمن الخليج العربي، ليست أكثر حقاً منها في تسيد المنطقة وزعامة الإقليم وحمل مسؤولية حفظ أمنه على كاهلها!!
إن قوة الملالي الثورية ولحية الأسد المخضبة بوهم الامتيازات الجيوبوليتيكية، تحتاج لقوة رادعة حقيقية، فإيران بحاجة لتغيير جذري من الداخل. في مقال كتبته قبل نحو سنة ونصف عنوانه «تقسيم إيران.. الشرق الأوسط الجديد بعيون خليجية»، ومقالات أخرى لاحقة، اقترحت العمل على تغيير إيران من الداخل بإضعاف قوتها نسبياً، من وحي «الفوضى الخلاقة» الغربية التي قامت على إعادة رسم الحدود وتفتيت الدول، وذلك عبر دعم الحركات الانفصالية، كاستثارة الطموح الكردي بالاستقلال والانفصال عن إيران، ودعم الأحواز.
ولكن في الموج الهائج من كل صوب وناحية على الساحة السياسية، وما أحدثته من إرباك مؤخراً، أصبح يلزم إيران لتغييرها أكثر من ذلك، ولهذا فإن سيناريوهين آخرين يمكن طرحهما وترقب أحدهما في المرحلة القادمة:
السيناريو الأول: تحتاج إيران إلى حرب أخرى.. حاسمة وتلحق بها هزيمة نكراء.. تهدم نظام العمائم في العمق، وتهدر الكرامة الوطنية المرتبطة زيفاً بولاية الفقيه، خلافاً للحرب مع صدام والتي غذّت في الروح الإيرانية الشعور بالنصر والعزة في مراحل متفاوتة. حتى يصبح بالإمكان فيما بعد إرساء دعائم إيران «الدولة» بزوال نظام الملالي وحكمه البائس.
السيناريو الثاني: أن تحل بإيران كارثة طبيعية، وباء.. زلزال.. يلحق أضراراً فادحة بها بحيث لا يمكن لها الخروج منها إلا بتدخل دولي، ما يتيح فرصة أن يملي المتدخل أجندته كما فعلت الولايات المتحدة بإملاء شروطها نظير برنامج الإنعاش الأوروبي «مشروع مارشال» لا سيما بألمانيا، في أعقاب الحرب العالمية الثانية، وكما حدث في اليابان إذ تم وضع الدستور الياباني تحت إشراف سلطة الاحتلال الأمريكي ليتضمن «بند السلام»، بما من شأنه العمل على منع اليابان من التحول إلى قوة هجومية في المستقبل.
* اختلاج النبض:
عندما تنأى إيران بنفسها عن أي حروب محتملة، وتكتفي بالحروب بالوكالة، حتى لا ينفضح خوائها الداخلي وحقيقة أن جيشها لا يعدو على كونه موجات بشرية سيئة التدريب والتجهيز، علينا لزاماً استبعاد السيناريو الأول. وبهذا لا يبقى أمامنا إلاَّ السيناريو الثاني.. ولا نستبعد ذلك وإن كنا لا نتمناه للأخوة في الدين، لكن المفاعلات النووية قد تكون السحر الذي ينقلب على الساحر، إن لم يكن سوء الإدارة الاقتصادية التي ستقود للمجاعة، أو الفساد الذي سيقود مع غياب الخدمات إلى الأوبئة.