كل منا لو نظر بسرعة إلى الأجيال التي عاشت قبله، لعرف من غير أي تحليل أو تفسير أو فلسفة، حجم ما يتمتع به من رغد العيش، والحياة الكريمة، فهو يملك الآن لقمة الخبز دون الركض خلفها كما كان يركض الإنسان خلف الحيوانات، أحياناً يذهب للعمل من أجل الحصول عليها، أحياناً تكون قريبة من بيته وأحياناً تكون بعيدة، تتحول عند بعض الناس إلى مسافات طويلة، يعبر من خلالها الأراضي والجبال والمطارات والموانئ للحصول عليها، وبعض الأحيان تأتيه إلى بيته، وتدق عليه الباب، وتقول له: لماذا تأخرت؟
أنت الآن تملك ما لم يملكه الأباطرة في قمة انتصاراتهم الحربية ومغامراتهم، في التعرف على أماكن تواجد الأعداء، ويحتاجون إلى شهور وسنين ليصلوا إلى المكان الذين يريدونه، الآن بالطائرات النفاثة وفي الباخرات العابرة للقارات، يصلون في ساعات، ويعرفون مواقع عدوهم من خلال «غوغل ايرث»، دون أن يتحركوا من مكانهم.
في العصور الماضية كنت تقطع مسافات طويلة لتشاهد مسرحية أو تذهب إلى بلد آخر لمشاهدة فيلم سينمائي. الآن الأفلام أمامك. الأفلام أكثر من الهم على القلب والمسرحيات يمكن مشاهدتها حتى لو عرضت في أبعد مسارح في العالم، بزر واحد فقط تستطيع أن تعرف كل أخبار الدنيا، بزر واحد فقط تستطيع أن تعرف حركة الطقس، من خلال هاتفك أو من خلال حاسوبك.
قبل فترة قرأت عن هرم ماسلو للاحتياجات حيث وضعها على الشكل التالي:
1-حاجة فسيولوجية: الطعام، الشراب، المأوى الدافع للبقاء على قيد الحياة.
2- حاجة للأمان.
3- حاجة للحب.
4- حاجة للاحترام: الرغبة في المكانة في اعتراف الآخرين بك.
5- حاجة لتحقيق الذات.
وربما لا يستطيع الواحد منا تحقيق كل رغباته، رغم أن تحقيق كل الرغبات اعتبره البعض نوع من أنواع القضاء على جدوى الحياة ومعناها، حيث بعد ذلك لا تعرف أن تحلم، وحينما يفقد الإنسان الحلم، يتحول إلى شيء لا معنى له.
أنت تملك قوت يومك، في الوقت الذي لا يملك الملايين من البشر كسرة الخبز، نتيجة الحروب الأهلية والنظامية، أنت تملك قوت يومك، وفي الوقت الذي لا يملك الملايين من البشر أيضاً مأوى لهم، أنت تملك مكاناً دافئاً تنام فيه. وفي الوقت الذي يسقط فيه الملايين من التعب والمرض، أنت لديك المستشفيات المفتوحة لإبعادك عن شر هذا أو ذاك من الأمراض.
عندك المدارس، وأعرف أن من حقك أن تطلب الأفضل والأجمل وتنظر إلى مكانة أعلى في مجتمعك.
إلى الأعلى لا تنظر دائماً، فإنك إن لم تكن سقطت في حفرة ما، أو أصدمت بحجر جرح قدمك، فإن هذا سيحدث لك في المستقبل. ما لا تملكه فكر أنك ملكته بالفعل، وعشه في هذا الواقع اليومي، وثق أن ما تفكر فيه يفكر فيك، المال، النجاح، السعادة، والفرح.
وإلى أن يأتيك ما تريد، عش كأنه بين يديك حقاً، تمتع به، احلم، احلم، احلم.