هل الوقوف في وجه العاصفة شجاعة أم جنون؟!
الإجابة هنا ستكون «خيالية» لو اتجهت لافتراض أنك يمكن أن تنجو من كارثة لها من القوة تلك التي تفوق طاقة البشر، لكن الواقع يقول بأن الانحناء للعاصفة خيار، شريطة أن يكون خياراً «وقتياً»، حتى تمضي وتعبر، وبعدها تعود الأمور لسيرها الطبيعي وبأقل الأضرار.
الأمر الواقع للأسف يفرض نفسه، وكثيراً ما تصادفك في حياتك أمور من الصعب أن تغيرها أو تكيفها حسبما تريد، لأن معطياتها أقوى ولأنها تتكالب بسبب ظروف عديدة عليك بحيث تكون أشبه بالعاصفة التي لا يمكن إيقافها، لكن التعامل معها يكون بتفادي الخسائر الجسيمة وتقليل الأضرار، أي أن حلك «الوقتي» يكون بالتكيف معها.
ما حصل خلال الشهور الماضية وحتى أمس الأول بشأن الوضع المالي للبحرين والظروف الاقتصادية أشبه ما يكون بالعاصفة، والمواطن الذي هو طرف هام في معادلة العمليات تأثر وبشكل واضح، رغم أنه هو العنصر الذي يجب أن تتمحور عليه العمليات كلها لحمايته وضمان سلامته معيشياً ووظيفياً واقتصادياً.
حتى مجلس النواب بالأمس، خرج بما هو متوقع منه، ولن نخوض أكثر في شأنهم، لأننا ندرك بأن المسألة أكبر، وأنها لا تحل بصراخ وتصادم، فزيادة المشكلة بمشكلة يعني الإعاقة الصريحة لعملية إيجاد الحلول المؤثرة.
لكن بالفعل ما يؤسف له أن يتأثر المواطن في معيشته، وأن يفرض عليه التعايش مع الوضع بشكل يزيد عليه الأعباء، في وقت الطموح فيه هو منحه مزيداً من الخدمات والتسهيلات، وتعديل أوضاعه وتسهيلها.
لا نشك أبداً بأن هدف الجميع ممن يعملون بإخلاص في مواقعهم، وممن يرون الله في عملهم، أن هدفهم صالح الوطن والمواطن، لكننا كنا نأمل بأن تكون الحلول الصعبة هي آخر المطاف، وأن تكون الخيارات المطروحة بعيدة عن جيب المواطن.
عموماً، الآن أمامنا «أمر واقع»، لا ندعو معه لليأس، ولا يفهم من كلامنا رفع راية بيضاء، بل هو حديث واقعي أكثر منه عاطفي، وقد تتباين آراء الناس بشأنه، ولا يلامون أبداً، من يستاء ومن يتفهم، ففي النهاية كلنا مواطنون وتجري علينا نفس الأمور، بتباينات طبعاً واختلافات هي سمة الله في الكون. لكن ترك الأمور هكذا والتسليم بها ليس حلاً، وإن كانت الدولة اليوم تتخذ إجراءات وخطوات صعبة بشأن التعامل مع الوضع، فإن لنا كمواطنين وشركاء في حمل تبعات هذه الأوضاع ومتأثرين بها كل الحق في الوقوف خطوة بخطوة على تفاصيل الأمور بشأن الحلول المتخذة ومدى تأثيرها. لذلك نكرر ما قلناه مراراً، بأننا نحتاج لمكاشفة أكبر بشأن الأوضاع الفعلية، وكيف هو موقفنا من الناحية الاقتصادية، والأهم تفاصيل الخطط والعمليات التي وضعت للتعامل بشكل جدي مع الأمور، دون إغفال أهمية إطلاع الناس على الأرقام وما تم تحقيقه كنتائج لخطوات التقشف أو تقليل المصروفات. نحتاج لعملية جرد لما حصل في الشهور الماضية ومدى تأثير الخطوات المتخذة، فالمسألة لم تتوقف عند تغيير أسعار البنزين، أو إعادة توجيه الدعم للحوم، بل فيها تفريعات أخرى تلك التي طالت قطاعات الدولة بشأن تقليل المصروفات وجوانب التقشف المختلفة.
هذه البنود كلها التي اتخذت في إطار التعامل مع الوضع لابد لها من رصد دائم، والأهم تحديث دائم لمؤشراتها ولوحات قياسها، بحيث نعرف أن الخطوة الفلانية وفرت رقماً هذا مقداره، والخطوة العلانية جنبتنا صرفاً وحملاً زائداً بهذا القدر.
إضافة إلى ذلك، فإن الوفورات لابد وأن يكون لها توظيف في تخفيف أصل المشكلة، وهنا نتحدث عن عملية تقليل الدين العام وسد العجز بشكل جزئي، إذ إن لم يكن لدينا خطة عمل مدروسة وواضحة جوانبها وتملك مدى زمنياً، فإن الإحساس بتأثير هذه الخطوات لا يكون ملموساً، والأخطر ألا يكون معروفاً لدى الناس، بالتالي حالة عدم الاستقرار المجتمعي هي أخطر التداعيات التي يمكن أن تحصل.
في شأن تغيير أسعار البنزين، هناك سؤال يتردد على لسان الناس حول إذا كانت العملية تندرج تحت تصنيف «إعادة توجيه الدعم»، وإن كانت فهذا يعني منطقياً وجود تعويضات للمواطنين من إعادة التوجيه على غرار ما حصل بشأن اللحوم، إذ أقل القليل يمكن أن يكون نوعاً من التعويض. السير وفق خطة مدروسة، إجراءاتها لها تأثيرات واضحة على حل المشكلة الرئيسة، هي ما يمكن اعتباره الخطوة المشابهة لـ«للانحناء» أمام العاصفة العاتية، وإثبات نتائج الإجراءات في تقليل وطأة المشكلة، هي العودة لعملية تعديل الأوضاع بعد مرور العاصفة.
في النهاية، على الناس ألا يقنطوا من رحمة الله، فالتاريخ يذكركم بقصة نبي الله يوسف، وبالتحديد قصة السبع سنوات سمان يتبعنها سبع عجاف، حينها احتاطوا للأمر للتعامل مع العاصفة القادمة، وعليه الدروس لا بد وأن نقف عندها ونستفيد، ولو علمنا بحال اليوم لربما اتخذت إجراءات احترازية قبل وقت كاف، لكن الأمر الواقع يفرض نفسه، والتعامل معه أمر حتمي، وقد يكون على حساب الجميع للأسف. نأمل معرفة أين موقعنا من خطة احتواء المشكلة، ونأمل بشدة ألا يتأثر المواطن بأي شيء قادم في المستقبل.